إذا أردنا أن نبني أسساً لحوكمة الأوقاف انطلاقاً من آخر ما توصلت إليه حوكمة الشركات فسنغرَق في بحرٍ من الأدوات والتفاصيل التي قد تُفقِدنا جوهر الحوكمة وسبب وجودها، فالحوكمة وُضِع حجرُ أساسها قبل أكثر من ثلاثين سنة لحل مشكلات تعارض المصالح، وخلال هذه الفترة كانت تُبنَى قواعدها تباعاً مع الأزمات المالية ومشكلات الإفلاس والاختلاس والفساد التي تطفو على السطح وتؤثر في البورصة والأسواق المالية، ومازالت هذه القواعد والمبادئ في تطوير وتحسين مستمر لمحاولة القضاء على الفساد وسد أبوابه.
لذا من المهم أن نعود أدراجنا إلى السبعينيات الميلادية لاستعراض افتراضات ومشكلات (نظرية الوكالة) التي جاءت الحوكمة لمعالجتها، فالمشكلات في القطاع الربحي هي ذاتها في غير الربحي، ومنطلقات الحلول تناسب أي وكيل سواء كان الوكيل رئيساً تنفيذياً في شركة مساهمة، أو مديراً لجمعية خيرية، أو ناظراً لوقف، أو عضو مجلس إدارة هنا أو هناك.

نشأت نظرية الوكالة لحل مشكلة تعارض المصالح وذلك من خلال نظرتها إلى الشركة بأنها سلسلة من التعاقدات الاختيارية بين أطراف مختلفة في الشركة (المالك والمدير، المدير والعامل، المساهم والمدقق الخارجي..) تتضمن صلاحية اتخاذ بعض القرارات، ويلتزم فيها (الوكيل) بتمثيل ورعاية مصالح (الموكِّل) وعدم تفضيل مصالحه الشخصية على مصالح الموكل، وكان الهدف الرئيس للنظرية هو تصميم العقود لتقليل التكاليف المرتبطة بمشكلة تضارب المصالح المتمثلة بخسارة الوكيل أو تكلفة الإشراف الرقابة، وتقوم النظرية على افتراض أن كلاً من الأصيل والوكيل يسعى لتحقيق مصلحته، وأن الوكلاء أقدر على تحقيق أهدافهم بسبب عدم تماثل المعلومات بينهم وبين المالكين، وتفترض النظرية في ضوء سياسة اللامركزية أن الأصيل عند تفويض وإنابة الوكيل يتوقع منه أن يؤدي عمله على أحسن وجه، و المالك غير قادر على مراقبة جميع أعمال الإدارة، والتي قد تتجه لأهداف واختيارات قد تكون مخالفة لما يريد، فالإدارة أحياناً قد تتعمد إخفاء بعض المعلومات أو تقديم معلومات للأصيل تحقق مصالحها الشخصية، وتفترض النظرية أن نظرة الأصيل تجاه المخاطر تختلف عن الوكيل الذي يتميز بابتعاده أو تجنبه للمخاطرة بينما يتوقع الأصيل أن يشاركه الوكيل بتحمل المخاطرة حفاظاً على مصالحه.
وقد تناولت نظرية الوكالة مجموعة من المشكلات مدارها على تعارض المصالح بين الأصيل والوكيل:

  • مشكلة تعارض المصالح.
  • مشكلة الاختيار المعاكس.
  • مشكلة عدم تماثل المعلومات.
  • مشكلة تحمل المخاطر.

ثم في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات الميلادية بدأت جهود الدول تتضافر في ترسيخ مبادئ الحوكمة نتيجة الفضائح والأزمات المالية المتكررة التي هزت الأسواق، واستمرت في تطوير مبادئها وتحسينها مع اكتشاف أي ثغرة أو خلل*(2)، وما زال المشرِّعون على قناعة أن المبادئ الحالية – على جودتها – غير كافية لحل مشكلة تعارض المصالح حلاً جذرياً ما لم يتوفر في الوكيل القيم الأخلاقية التي تردعه عن تقديم مصالحه الشخصية على حساب مصلحة الأصيل.
المشكلات أعلاه ترد في أي علاقة بين وكيل وأصيل سواء كان العمل تجارياً أو خيرياً أو وقفياً، والانطلاق منها في بناء أسس حوكمة الأوقاف يساعد في التركيز على جوهر الحوكمة وغرضها الرئيس (حل مشكلة تعارض المصالح) بدون الدخول في تفصيلات وأدوات قد تناسب العمل الربحي والشركات أكثر من العمل غير الربحي والقطاع الوقفي.

تختلف الأوقاف عن الشركات من جهة غياب الأصيل المالك، وتَفرُّد الوكيل “الناظر” باتخاذ القرار الذي يجب أن يكون متوافقا مع أهداف الوقف وشروط الواقف. وعلى ضوء ذلك يمكننا القول بأن أساس حوكمة الوقف تكمن في تحقيق الرشد في القرارات والشفافية في البيانات والعدالة في التعاملات من خلال تطبيق قواعد متفق عليها تضمن للمتأثرين بالوقف حق مساءلة القائمين عليه*(3).

وبعيداً عن الخوض في تفاصيل الأدوات والمعالجات، يمكننا تحديد الأسس الأربعة التالية التي من الممكن أن يبنى عليها حوكمة الوقف بغض النظر عن حجمه ونوعه

  • الرشد في القرارات.
  • العدالة في التعاملات.
  • الصدق والبيان.
  • المسؤولية والمسائلة.

يندرج تحت هذه الأسس الأربعة: (12) مبدأ، تضمنت (93) معياراً من معايير الحوكمة، وسأحاول فيما يأتي توضيح هذه الأسس ومبادئها والمعايير المندرجة تحتها بشيء من الإيجاز:

((فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم))

اشترط الله تعالى لتسليم اليتيم ماله أن يتم التأكد من رشده، وفي آية أخرى جاء التعبير بالأشُدّ للتأكيد على القدرة والقوة على اتخاذ القرار الرشيد (حتى يبلغ أشده)؛ والوقف في التعاملات الفقهية يشبه القاصر من جهة حاجته إلى راشد يتولى أمره، وافتقاره إلى (حفيظٍ عليم) يحمي أصوله وينميها، وإلى (قوي أمين) يدير شؤونه ويحقق أهدافه، وفقدُ هذه الصفات يعني (الخيانة) و (سوء التصرف)، و(الضعف).

لتحقيق الرشد في القرارات يحتاج الوقف إلى دستور ينظم شؤونه وقيادة استراتيجية تدير دفته، وإدارة فاعلة تدير موارده بكفاءة.

ويندرج تحت هذا الأساس ثلاث مبادئ:

  • دستور الوقف:
    • يوجد للوقف إطار قانوني مناسب، يضمن له استقلاله عن المؤثرات الخارجية*(5).
    • يوجد للوقف تنظيم داخلي محدَّث*(6) يضمن وجود هيكل مستدام للمستويين الرقابي والتنفيذي*(7).
    • يوجد للوقف تنظيم داخلي محدَّث لتكوين واستخلاف الأمين المؤهل لقيادة الوقف*(8).
    • يوجد للوقف تنظيم داخلي محدَّث يضبط مهام الأشخاص والمجالس واللجان العليا وصلاحياتهم.
    • يوجد للوقف تنظيم داخلي محدَّث يضمن التزام منسوبي الوقف بالضوابط الشرعية وشروط الواقف.
    • يوجد للوقف تنظيم داخلي محدَّث يضبط سياسات تعارض المصالح.
    • يوجد للوقف تنظيم داخلي محدَّث يضبط سياسات الإفصاح ودرجاته وأنواعه.
    • يوجد للوقف تنظيم داخلي محدَّث يضبط سياسات الإبلاغ عن المخالفات وحماية مقدمي البلاغات.
    • يوجد للوقف تنظيم داخلي محدَّث يضبط سياسات حركة ونقل الأموال*(9).
    • يوجد للوقف تنظيم داخلي محدَّث يضبط إدارة الالتزام وإجراءاته.
    • يوجد للوقف تنظيم داخلي محدَّث يضبط الرقابة الداخلية.
    • يوجد للوقف تنظيم داخلي محدَّث يضبط إدارة موارد الوقف.
    • يوجد للوقف تنظيم داخلي محدَّث يضبط التعاملات المالية.
    • يوجد للوقف تنظيم داخلي محدَّث يضبط إدارة المشتريات والتوريدات.
    • يوجد للوقف تنظيم داخلي محدَّث يضبط سياسات الاستثمار وتنمية أصول الوقف.
    • يوجد للوقف تنظيم داخلي محدَّث يضبط سياسات صرف الريع.
    • يوجد للوقف تنظيم داخلي محدَّث وخطة لإدارة المخاطر وتحديدها والاستجابة لها.
    • يوجد للوقف تنظيم داخلي محدَّث يضبط أخلاقيات العمل.
  • القيادة الاستراتيجية*(10):
    • يوجد عدد كافٍ من الأعضاء المستقلين وغير التنفيذيين لقيادة الوقف*(11).
    • توفر ممارسة فاعلة لتأهيل الأعضاء والقيادات الجدد عند انضمامهم للوقف.
    • توفر آليات واضحة مطبقة تضمن إدخال أسماء جديدة دورياً في قيادة الوقف.
    • يمارس قائد الوقف مهامه الإشرافية والرقابية بكفاءة.
    • يوفر قائد الوقف الوقت الكافي ليكون فاعلاً في قيادة الوقف*(12).
    • كفاية تشكيل اللجان المساندة في قيادة الوقف.
    • توفر آليات واضحة مطبقة لتقييم المجلس واللجان التابعة له.
    • توفر آليات واضحة مطبقة لتقييم قيادات الوقف (أعضاء المجلس، الرئيس التنفيذي..).
    • تنعكس شروط الواقف على أنشطة الوقف وأعماله بشكل واضح.
    • توفر استراتيجية واضحة للمحافظة على أصل الوقف وتنميته.
    • توفر خطة ومؤشرات استراتيجية للوقف.
    • يتم قياس وتحسين المؤشرات الاستراتيجية دورياً.
    • توفر آليات واضحة ومحددة لاستقطاب وتعيين الكفاءات القيادية والتنفيذية للوقف.
    • قيادة الوقف تتابع وتقيم أداء الإدارة التنفيذية من جهة القوة والأمانة.
  • الإدارة الفعالة:
    • توفر ممارسات فعالة لحماية مال الوقف وأعيانه.
    • توفر بيئة عمل آمنة وجاذبة في الوقف.
    • الالتزام بالضوابط الشرعية في إدارة الوقف واستثماراته ومصارفه.
    • الالتزام بشروط الواقف في إدارة الوقف واستثماراته ومصارفه.
    • الكفاءة في المصروفات الإدارية*(13).
    • توفر ممارسات لتقديم المعلومات الكافية لمن يحتاجها في الوقت المناسب.
    • جودة وكفاءة إجراءات اتخاذ القرارات.
    • جودة وكفاءة إدارة موارد الوقف.
    • جودة وكفاءة إدارة استثمارات الوقف.
    • جودة وكفاءة الضبط المحاسبي وفق المعايير المحاسبية المعتمدة.
    • جودة وكفاءة إدارة المخاطر في الوقف.
    • جودة وكفاءة إدارة الالتزام في الوقف.
    • جودة وكفاءة إدارة السمعة في الوقف.
    • جودة وكفاءة إدارة الاتصال في الوقف.
    • جودة وكفاءة إدارة المعرفة في الوقف.

((وليكتب بينكم كاتب بالعدل))

العدل قيمة عليا في الإسلام أمر الله به في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، (وعكسه الظلم)، وقد بين سبحانه أن اتباع الهوى والرغبات والميل للأقارب هي الباعث على مجانفة العدل (فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا) (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى).

العدل يعني ألا نقدم مصالحنا الشخصية أو مصالح من تربطنا به علاقة شخصية على مصلحة الوقف، وأن نصرف مصارف الوقف بالعدل فلا نعطي من لا يستحق ولا نحرم المستحق شيئا من حقه، راجين بذلك أن نشترك في أجر الواقف كما قال عليه الصلاة والسلام (الخازن المسلم الأمين الذي يعطي ما أُمِر به كاملاً موفَّوراً طيباً به نفسه فيدفعه إلى الذي أُمِر له به أحد المتصدقين)*(14) وأن ننال المنزلة الرفيعة التي وعدها الله للمقسطين (إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين؛ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولُّوا)*(15).

ومن تمام العدل أن نتيح للمستفيد أن يقدم شكواه دون أن يخاف أي ضرر، وقد أتى رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ له، فهمَّ به أصحابه، فقال عليه الصلاة والسلام (دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً)*(16).

ويندرج تحت هذا الأساس مبدآن:

  • تكامل المصالح:
    • توفر ممارسات فعالة لإدارة تعارض المصالح *(17).
    • توفر ممارسات فعالة لتحقيق العدالة في تقديم توريدات للوقف*(18).
    • توفر ممارسات عادلة لتوزيع المصرف على المستحقين.
    • توفر ممارسات فعالة لتحقيق العدالة في التعامل مع موظفي الوقف.
  • حماية أصحاب المصلحة:
    • توفر قنوات للمستفيدين وأصحاب المصلحة لتقديم الشكاوى والبلاغات.
    • توفر ممارسات فعّالة لحماية مقدمي البلاغات.
    • توفر ممارسات فعّالة لتعويض المتضررين بسبب ممارسات خاطئة لإدارة الوقف.
    • توفر ممارسات لتقييم الخدمات من قِبَل المستفيدين وأصحاب المصلحة.
    • توفر ممارسات لتشجيع أصحاب المصلحة على تقديم النصح والتوجيه.

الأساس الثالث: الصدق والبيان

(فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما)

الصدق والبيان مصطلحان شرعيان يقابلان (الشفافية والإفصاح)، فالصدق يعني ألا نخفي الحقيقة وأن نقدم تقارير تصف الواقع لمن يحتاجها في الوقت المناسب، وأن تكون هذه البيانات واضحة وغير مضللة، وعكسه (الكذب)، والبيان يعني أن نفصح عن واقع حالنا ومصالحنا وموقفنا تجاه مصالح الوقف، وعكسه (الإخفاء) و (الغش).

الإفصاح مبدأ شرعي ثابت في الإسلام، ومهما بلغت ثقتنا بالشخص فإن إفصاحه يبرئ ذمته ويزيل الشك ويقطع طريق القيل والقال، ولذا لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من معتكفه ليلا ليقلب صفية ومرّ برجلين من الأنصار فلما رأياه أسرعا فقال عليه الصلاة والسلام: (على رسلكما! إنها صفية بنت حيي) فقالا: سبحان الله يا رسول الله، قال: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً، أو قال شيئاً)*(19).

يجب على مدير الوقف أن ينشر بيانات الوقف – خاصة البيانات المالية – وفقاً لمستوى الخصوصية، وأن يقدم التقارير اللازمة لمن يجب رفعها له، ويجب على قيادات الوقف أن يفصحوا عن أية مصالح شخصية لهم أو لأقربائهم.

ويندرج تحت هذا الأساس ثلاث مبادئ:

  • جودة التوثيق والأرشفة:
    • توفر وكفاية بيانات المستفيدين لدى الوقف.
    • توفر ممارسة فعالة لحفظ وإدارة وإتلاف الوثائق.
    • توفر ممارسة فعالة تضمن تحديث بيانات الوقف وتقاريره بشكل دوري.
    • توفر ممارسة فعالة لتوثيق التقارير والعمليات والمستندات المالية وفقاً للأنظمة والمعايير المعتمدة.
  • الشفافية والإفصاح:
      • كفاية المعلومات العامة المنشورة عن الوقف.*(20)
      • توفر المعلومات الكافية لمن يحتاجها في الوقت المناسب.
      • توفر الشفافية في بيان مكافآت قيادات الوقف وأعضاء المجالس واللجان العليا.
      • التقيد بدرجة الإفصاح المطلوبة في التقارير – خاصةً المالية – وفقاً لمتطلبات الجهات الرقابية.
      • وضوح (وعدم تضليل) البيانات المفصَح عنها للوقف.
      • يوجد تحديد دقيق لدورية المعلومات التي يجب الإفصاح عنها.
      • توفر ممارسة فعّالة للإفصاح عن تعارض المصالح *(21).
    • توفر ممارسة فعالة للإفصاح عن المخاطر وطبيعتها وتأثيرها وكيفية التعامل معها.
    • توفر ممارسة فعالة لتوثيق إفصاحات حالات تعارض المصالح.
    • توفر المصداقية في التقارير (تقديم توقعات مستقبلية يعتمد عليها).
    • توفر ممارسة للإفصاح عن نتائج تقييم الإدارة التنفيذية من قِبَل أصحاب المصلحة.
  • المحافظة على خصوصية البيانات:
    • توفر ممارسة فعالة للمحافظة على خصوصية بيانات المستفيدين.
    • توفر ممارسة فعالة تضمن محافظة منسوبي الوقف على خصوصية البيانات وفقا لمستوى سريتها.

الأساس الرابع: المسؤولية والمساءلة

(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)

محاسبة من تولى ولايةً أمرٌ مستقر ومتفق عليه في النظام الإسلامي، يدل على ذلك ما ورد في صحيح البخاري من حديث أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل ابن اللتيبية على صدقات بني سليم، فلما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاسبه *(22).. الخ. فورود حرف العطف الواو في قوله (وحاسبه) يدل على أن المحاسبة إجراء روتيني ثابت بعد انتهاء المهمة. والقصة فيها دلالة واضحة على الإفصاح والموقِف من تعارض المصالح، وقد قال عليه الصلاة والسلام تنبيهاً على هذا الخطأ: (فإني أستعمل رجالاً منكم على أمور مما ولّاني الله فيأتي أحدكم فيقول: هذا لكم وهذه هدية أهديت لي، فهلا جلس في بيت أبيه وبيت أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً، فوالله لا يأخذ أحدكم منها شيئاً بغير حقه إلا جاء الله يحمله يوم القيامة)*(23).

ما يحتاجه الوقف هو أن توضح صلاحيات ومسؤوليات مجالسه الإشرافية والتنفيذية وقياداته، وأن يتاح مساءلة الناظر أو المجلس من الأطراف ذات العلاقة، وقد أوصى مؤتمر الاستثمارات الوقفية المنعقد في دبي في عام 2008 م بضرورة أن يمارس الرقابة الحسابية على الوقف كلُّ الأطراف ذات العلاقة المباشرة بالوقف (الواقف، المستفيدون، المجتمع المحلي *(24) .

ويندرج تحث هذا الأساس أربعة مبادئ:

  • تحديد المسؤوليات:
    • دقة وكفاية تحديد الصلاحيات والمسؤوليات في الوقف.
    • وضوح الصلاحيات والمسؤوليات المتاحة لقيادات الوقف على المستوى الرقابي والتنفيذي.
    • تحديد دقيق لمسؤوليات إدارة المخاطر.
    • توفر ممارسة فعالة لتوضيح المهام والمسؤوليات عند تعيين منسوبي الوقف.
  • الرقابة الداخلية:
    • توفر وحدة رقابية داخلية مستقلة غير تنفيذية في الوقف.
    • توفر ممارسة داخلية فعالة للتحقق من شرط الواقف.
    • توفر ممارسة داخلية فعالة للتحقق من التزام المدير بالضوابط الشرعية.
    • توفر ممارسة داخلية فعالة للتحقق من تنفيذ المدير لاستراتيجية الوقف.
    • توفر ممارسة داخلية فعالة للتحقق من إدارة المخاطر بكفاءة.
    • توفر ممارسة داخلية فعالة للتحقق من إدارة تكامل المصالح بكفاءة.
    • توفر ممارسة داخلية فعالة للتحقق من جودة واكتمال الإفصاحات.
    • توفر ممارسة داخلية فعالة للتحقق من سلامة التقارير.
    • توفر ممارسة داخلية فعالة للتحقق من التزام إدارة الوقف بالأنظمة والتعليمات.
  • الرقابة الخارجية:
    • توفر ممارسة فعالة للإفصاح المالي من جهة خارجية معتمدة *(25) .
    • توفر ممارسة فعالة لرفع التقارير اللازمة للجهات الرقابية.
    • التزام الوقف بأنظمة ومتطلبات الجهات ذات العلاقة *(26) .
    • تحديث البيانات الأساسية للوقف لدى الجهات الرقابية.
  • حق المساءلة:
    • توفر ممارسة فعالة تمنح المستفيدين حق مساءلة مدير الوقف.
    • توفر ممارسة فعالة تتيح مساءلة جميع العاملين في الوقف بلا استثناء.
    • تجنب تعيين نفس الشخص في منصبين متتاليين إدارياً *(27) .

الخاتمة:

أرجو أن أكون قد وفقت بتحديد أسس لحوكمة الأوقاف مناسبة بعباراتها لأغلب الأوقاف على اختلاف أحجامها وأعيانها واستثماراتها، والمجال متاح للاجتهاد والتحسين المستمر، والله ولي التوفيق.

مصادر ومراجع

*(1) ينظر (نظرية الوكالة: كمدخل مقترح لتطوير المراجعة الخارجية) كمال عبدالسلام، المجلة المصرية للدراسات التجارية، جامعة المنصورة، مج 15، ع 3 ، (1-37) ، (دور نظرية الوكالة في تطوير البحث العلمي في الفكر المحاسبي) جعفر عبدالله، رسالة ماجستير جامعة أم درمان، (حوكمة الشركات ودورها في تخفيض مشاكل نظرية الوكالة) بتول نوري، مجلة رماح ، ع14 ، 9 – 32.

*(2) لمزيد من التفاصيل ينظر مقال (تجارب الدول في إرساء مبادئ الحوكمة للحد من الفساد المالي والإداري: قراءة تحليلية) حكيمة بوسلمة، نجوى عبدالصمد، المجلة الجزائرية للتنمية الاقتصادية. مج 5 ع 1، 91- 102.

*(3) ينظر (قواعد حوكمة الوقف) د. فؤاد العمر، باسمة المعود، ص 20، 21.

*(4) قبل إعداد هذه الأسس اطلع الباحث على مبادئ الحوكمة المعتمدة لدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ومبادئ حوكمة العمل الخيري لدى هيئة المنظمات الخيرية البريطانية، وأسس الحوكمة في العمل الخيري لدى (بيرل)، ومشروع حوكمة الجمعيات الأهلية (مكين)، وقواعد حوكمة الأوقاف التي وضعها د. فؤاد العمر وباسمة المعود في كتاب (قواعد حوكمة الوقف)، إضافة إلى المعيار الشرعي والمعيار المحاسبي للوقف (أيوفي) ومسودة مبادئ حوكمة الأوقاف، ومسودة لائحة تنظيم أعمال النظارة الصادرتان من الهيئة العامة للأوقاف، ومسودة معيار الحوكمة للوقف (أيوفي).

*(5) أساس ذلك في توفر وثيقة وقفية معتمدة لدى الجهات التشريعية في البلد ومعدة بطريقة محكمة ومتينة تضمن تمتع الوقف بشخصية اعتبارية مستقلة وذمة مالية منفصلة، وعلى الواقف ضمان تمتع الوقف بذلك حسب قوانين البلد، ومن ذلك منح الأعضاء المستقلين غير التنفيذيين صلاحيات أكبر في اتخاذ القرار، ولا يمكن تحقيق أمان واستدامة للوقف بدون توفر إطار تنظيمي وتشريعي متين من الدولة.

*(6) استخدم هنا مصطلح (تنظيم داخلي) مراعاة لاختلاف حجم الأوقاف، فالتنظيم قد يكفي فيه مادة أو كلمات محددة في صك الوقفية وقد يكون فصلا في لائحة وقد يكون لائحة مستقلة، ومصطلح (محدّث) يلزم منه أن تكون الوثيقة حيّة متجددة.

*(7) ينظر مقال (هيكل حوكمة الوقف) للكاتب.

*(8) ومن ذلك أن تشكّل لجنة الترشيحات من أعضاء مستقلين غير تنفيذيين أو من خبراء خارج الوقف، وأن توضع آلية للاستخلاف تضمن تعدد الخبرات والتخصصات، وتوارث الخبرة ونقل المعرفة.

*(9) ومن ذلك مراعاة ما ورد في نظام (مكافحة غسل الأموال) ونظام (مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله).

*(10) لا يمكن تصور حوكمة لوقفٍ يقوده شخص واحد، حتى لو كان هو الواقف نفسه، لذا تم صياغة القواعد التالية على افتراض وجود مجلس يقود الوقف، ويقصد بالمجلس الوحدة التنظيمية التي تتولى قيادة الوقف (مثلاً: مجلس إشرافي، جمعية عمومية، مجلس نظارة، مجلس إدارة..الخ) حسب هيكلة الوقف.

*(11) العضو المستقل لا تربطه أي علاقة أو شبه علاقة بالوقف ولايتأثر به هو ولا أقربائه (الأب، الأم، الزوجة، الأولاد) ولا شركاتهم، والعضو غير التنفيذي هو الذي لم يفرَّغ لمهمة تنفيذية تابعة للوقف ولا يشارك في أعماله اليومية.

*(12) يدخل في ذلك عقد الاجتماعات الكافية لإدارة شؤون الوقف في حال وجود مجلس لإدارة الوقف.

*(13) اشترط الدكتور فؤاد العمر في (قواعد حوكمة الوقف) ألا تزيد عن 12% من إجمالي الريع، وواقع الحال أن النسبة تختلف حسب حجم وعمر الوقف ونوع نشاطه ودور الناظر.

*(14) متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري : صحيح البخاري 1438، صحيح مسلم 1023.

*(15) صحيح مسلم 1827.

*(16) صحيح البخاري 2401.

*(17) من أمثلة ذلك: لا يصوت الأعضاء على قرارات لهم أو لأقاربهم فيها مصلحة، وإصدار إرشادات وأمثلة لتعارض المصالح، وآلية الإفصاح.

*(18) يوصى دائما بمنع تقديم قيادات الوقف وأقاربهم أي توريدات للوقف.

*(19) متفق عليه من حديث أم المؤمنين صفية رضي الله عنها، صحيح البخاري 3281، صحيح مسلم 2175.

*(20) لا يوجد حاليا تحديد دقيق لما يجب نشره للعامة في التقارير الإعلامية المطبوعة والموقع الإلكتروني للوقف، إلا أنه يجدر التنبيه إلى أن الرقابة الشعبية هي صمام أمان للوقف (ينظر مقال: الأوقاف الإسلامية الحاجة إلى ميثاق جديد – منذر قحف، مجلة جامعة الملك عبدالعزيز – الاقتصاد الإسلامي، م31، ع 3 ، ص ص 59 – 66).

*(21) من ذلك: تعبئة نموذج الإفصاح عن تعارض المصالح (Conflict of Interest Risk Profile) سنوياً، وحفظ هذه الإفصاحات في سجل مخصص.

*(22) الحديث متفق عليه. صحيح البخاري 7197، صحيح مسلم 1832. ولفظ (وحاسبه) عند البخاري.

*(23) سبق تخريجه.

*(24) قواعد حوكمة الوقف فؤاد العمر ص 85.

*(25) مثلا: التعاقد مع محاسب قانوني معتمد لفحص القوائم المالية والسجلات المحاسبية، أو رفع البيانات المالية على مواقع الجهات الرقابية وفقا لتنظيم البلد.

*(26) مثل أنظمة الأوقاف، الضرائب، البنوك، العمل، التجارة، البلدية..

*(27)مثلا: رئيس المجلس والرئيس التنفيذي

خيارات النشر

لتحميل هذا المقال بصيغة PDF أو Word أو طباعتة وذلك بانقر فوق أيقونة أدوات النشر