نظارة الوقف من المنظور الشرعي هي تكليف لا تشريف، والناظر راعٍ ومسؤول عن رعيته، ومن منظور الحوكمة هو وكيل ينبغي عليه القيام بواجب العناية وواجب الولاء وواجب الصراحة. وسنركز – في هذه المقالة – على انشغال الناظر بعدد من الأوقاف سواء بشكل مستقل أو من خلال عضوية مجلس نظارتها، وأثر ذلك على واجب العناية والذي يعني أن يبذل الناظر قصارى جهده في تحقيق مصلحة الوقف وأهدافه للوصول إلى (القرار الرشيد) مع مقارنة دور الناظر – الذي لايدير الوقف مباشرة – أو (عضو مجلس النظارة) بدور عضو مجلس الإدارة في الشركات.

العضو المنشغل في الشركات[1]:

يطلق الباحثون على أعضاء مجالس الإدارة الذين يشغلون مقاعد في مجالس شركات متعددة مسمى (الأعضاء المنشغلين)، ويُعَد العضو منشغلاً – وفقا لأغلب الباحثين – إذا كان عضواً في ثلاث مجالس إدارة على الأقل، ويطلق على المجلس أنه (مجلس إدارة منشغل) إذا كان أغلب أعضائه منشغلين. ومع مراعاة اختلاف الباحثين في تحديد أرقام الانشغال يمكننا أن نُعرِّف مجلس الإدارة المنشغل بأنه: (المجلس الذي يكون 50% من أعضائه أو أكثر هم أعضاء غير تنفيذيين ويشغل كل منهم ثلاثة مقاعد على الأقل في مجالس إدارات أخرى).

يجلب العضو المنشغل للشركة العديد من الفوائد من أبرزها سعة أفقه بسبب اطلاعه على كثير من المعلومات والاستراتيجيات والتجارب والشؤون المالية، وغالبا ما يتميز العضو المنشغل بشبكة عالية من العلاقات الاجتماعية والمهنية. إلا أن الدراسات أظهرت أن مستوى الحوكمة في الشركات ذات المجالس المنشغلة أقل جودة من الشركات الأخرى، حيث تتجه تلك الشركات وفقاً للدراسات إلى تقديم مستوى رقابة أقل على المدى البعيد، وضعف في الأداء التشغيلي، إضافة إلى أن احتمالية فصل الرئيس التنفيذي ذي الأداء الضعيف فيها منخفضة، هذا فضلا عن كون المجالس المنشغلة تتجه غالباً إلى منح تعويضات للرؤساء التنفيذيين أكبر مما تمنحها المجالس غير المنشغلة.

وبناء على دراسة أجريت في الولايات المتحدة شملت ما يقارب (3000) عضو مجلس إدارة مميز؛ فإن 83% من أعضاء مجالس الإدارات يعملون في مجلس إدارة واحد فقط، بينما نجد أن أقل من 5% ممن شملتهم الدراسة يعَدون أعضاء منشغلين (3 مجالس إدارة أو أكثر).

الجدير بالذكر أن أعضاء المجلس الفاعلين وفقاً للدراسات يقضون ما يقارب (20) ساعة شهرياً في للقيام بواجباتهم في الشركة، حيث يستمر الاجتماع الواحد من ساعتين إلى ست أو ثمان ساعات، ويعقدون في المتوسط أكثر من 8 اجتماعات في السنة.

الناظر المنشغل:

الوضع مختلف شيئا ما على مستوى الأوقاف بسبب اختلاف حجم الأوقاف واختلاف هياكلها، ففي حين يتولى الشخص نظارة مستقلة لوقف أو أكثر، قد يشغل أيضاً عضوية مجلس نظارة لوقف صغير أو متوسط أو كبير، أو لوقف نفع عام.

نظارة الوقف ليست مهنة مستقلة يحترفها الأفراد إلا ربما على مستوى الأوقاف الكبيرة التي تزيد أصولها عن مئتي مليون ريال[2]، أما ما سوى ذلك فهي عمل احتسابي بالدرجة الأولى وعمل إضافي اجتماعي يقوم به الفرد وفاءً لقريب أو صديق، أو ابتغاءَ ثوابٍ أخروي. لذا نعتقد أننا – ما لم نحيِ الحس الاحتسابي في أبناءنا سنعيش أزمة تتعلق في ندرة النظار المناسبين لأوقافنا الأهلية، والتي يرغب الواقفون فيها – غالباً – أن تكون نظارتها داخل النطاق الأسري. وبناءً على القاعدة النبوية العظيمة (الناس كإبل مئة لا تكاد تجد فيها راحلة) فسنحتاج حتماً إلى تكرار نفس الأشخاص في نظارة عدد من الأوقاف مما سيحيلهم إلى نظار منشغلين، ومهما كان الناظر محتسباً وحريصاً ومهنياً فإن أداء الناظر المنشغل ستقل جودته من جهة الحوكمة والرقابة وتحسين الأداء التشغيلي للوقف تدريجياً كلما كثرت الأوقاف والمجالس التي ينشغل بها[3].

بناء على ما سبق فإني أقترح مجموعة من الرؤى والأفكار المرتبطة بمجالس النظارة المنشغلة، والتي أسعد بمناقشتها وإثرائها من قبل الباحثين والمهتمين:

  •  من المهم التفريق بين الناظر المنشغل وعضو مجلس النظارة المنشغل، فالدور الذي يمارسه الناظر يختلف بدرجة كبيرة عن الدور الذي يقوم به عضو مجلس النظارة.
  • تولي الناظر لأكثر من ثلاث عضويات في أوقاف كبيرة يجعله عضواً منشغلاً على اعتبار أربعة اجتماعات فاعلة للوقف الواحد، أي أكثر من (12) اجتماعاً في السنة.
  • وجود أكثر من (50%) من الأعضاء المنشغلين (غير التنفيذيين) في الوقف يجعله مجلساً منشغلاً.
  • وجود الناظر المنشغل في الأوقاف الكبيرة له أثر إيجابي على أداء المجلس لما يتمتع به الناظر المنشغل غالبا من سعة في الأفق واطلاع كبير على التجارب إضافة إلى شبكة علاقات كبيرة تسهم في تفعيل أداء المجلس وتحقيق أهدافه. المهم هنا – من وجهة نظري – ألا يكون أغلبية أعضاء المجلس أعضاء منشغلين.
  • ربما كان من مصلحة الأوقاف تقليص عدد النظار لرفع مستوى أعضائها؛ فماذا لو قلنا إن مجالس النظارة تبدأ من الوقف المتوسط ولا يتجاوز عدد أعضاء المجلس سبعة أعضاء إلا في الأوقاف الكبيرة، والهدف من ذلك تقليص حاجتنا إلى النظار وبالتالي تقليص عدد مجالس النظارة المنشغلة، ورفع قدرة الوقف على استقطاب الكفاءات المميزة لعضوية مجلس النظارة.
  • الأوقاف الكبيرة جداً والتي تزيد أصولها عن ثمانمائة مليون ريال قد تحتاج أكثر من غيرها إلى وضع ضوابط لعدد أو نسبة الأعضاء المنشغلين في مجلس نظارتها.
  • من المتوجه جداً في الأوقاف الكبيرة احتساب عضوية الناظر في الشركات المساهمة والمدرجة ضمن معادلة انشغال العضو، نظراً لتشابه الدور المطلوب من العضو في هذه الكيانات.
  •  مجالس النظارة في الأوقاف الصغيرة والمتوسطة غالباً ستكون أقل فاعلية بسبب عدم قدرتها على استقطاب أعضاء نظارة متميزين وغير منشغلين؛ لذا من الجيد أن تلجأ إلى جهات متخصصة في تشغيل وإدارة الأوقاف الصغيرة والمتوسطة ترفع من فاعليتها وكفاءتها التشغيلية[4].
  • على مستوى الأوقاف الصغيرة ومتناهية الصغر ذات الناظر الواحد قد يستطيع الناظر الإشراف على عدد كبير من الأوقاف كون النظارة الفردية أسهل في الإدارة، ويصعب وضع حد أعلى للناظر المنشغل بسبب اختلاف أنواع وأنشطة الأوقاف الصغيرة ومتناهية الصغر.
  • من المتقدم جداً وضع أي تنظيمات مرتبطة بالنظار المنشغلين والمجالس المنشغلة، وواجب المرحلة هو تكثيف الدراسات الميدانية لكشف آثار هذه المسألة على الأوقاف باختلاف أحجامها وأنواعها سلباً وإيجاباً.

المراجع والمصادر:

[1] ينظر: كتاب (مسائل في حوكمة الشركات) ديفيد لاركر، وبريان تيان.

[2] على اعتبار متوسط ريع 7% ومخصص مكافأة ناظر 5% لوقف أصوله (200) مليون ريال توزع بالتساوي على 7 أعضاء مجلس نظارة فإن تعويضات الناظر لاتزيد عن مئة ألف ريال سنويا وهو رقم متواضع نسبياً.

[3] لم أقف على دراسة ميدانية رصدت عدد الأعضاء المنشغلين في الأوقاف، وناقشت العلاقة بين الحوكمة وعدد الأعضاء المنشغلين في الأوقاف.

[4]  تقدم شركة (سنا المستقبل) باقات تشغيل وإدارة متخصصة في مساعدة الأوقاف الصغيرة والمتوسطة مثل: باقة أمانة المجلس التي تزيد من فاعلية المجلس، وباقات أخرى في إدارة الوقف وإدارة المنح وإدارة الاستثمار.

كلمات ذات صلة: