بواسطة أ. إبراهيم الخميس,

2023/07/24 ,

8 دقائق

-+=

حوكمة الشركات الوقفية

وفقاً للأنظمة المعتمدة حالياً في المملكة العربية السعودية لا وجود لكيان يسمى “شركة وقفية”! وإنما لدينا شركة يملكها وقف ملكية كاملة أو جزئية، وقد تأخذ هذه الشركة أي شكل من أشكال الشركات التجارية، لكني سأستخدم في هذه المقالة مصطلح “الشركة الوقفية” لكونها تسمية دارجة ومشتهرة، وسأحاول بعون الله التنبيه على أمور لا يسع المستشار المتخصص جهلها فيما يتعلق بحوكمة هذا النوع من الشركات.

نشأة الشركة الوقفية:

توجد صورتان لنشأة الشركة الوقفية:

  • الصورة الأولى: وقف مثبت بوثيقة وقفية يؤسس شركة تجارية، بغض النظر عن العين الموقفة فالشركة في هذا الصورة مملوكة للوقف وليست عين الوقف.
  • الصورة الثانية: شركة تجارية توقَف حصصها بوثيقة وقفية، وهنا تكون العين الموقفة هي حصص محددة في الشركة.

من الأمور التي يُعرف بها الفرق بين المتشابهات الآثار المترتبة على كل منهما واللوازم التي تلتزم بها كل منهما، وهنا أود التنبيه إلى عدة أمور:

  • كلا الصورتين لهما نفس النتيجة النهائية فيما يتعلق بالشركة الوقفية: حصة موقفة من الشركة بغض النظر عن العين الموقفة.
  • ثمة فرق جوهري بين الصورتين: فالشركة الموقوفة (الصورة الثانية) لايمكن شطبها أو إلغاؤها إلا من خلال المحكمة لأن حصة الشركة هي عين الوقف، بخلاف الشركة التي يملكها الوقف (الصورة الأولى) والتي يمكن شطبها مع استمرار الوقف في أداء عمله.
  • في الصورتين قد يكون الوقف مالكاً لحصة من حصص الشركة، وقد يكون مالكا لكامل حصصها، وحتى في هذه الحالة لا يوجد ما يمنع من دخول شركاء آخرين معه؛ لذا لا أرى من المناسب استخدام مصطلح “شركة وقفية” بأي حال من الأحوال ولا أنصح بأن ننظر إلى الشركة من منظور أنها شركة وقفية.
  • بمجرد صدور الوثيقة التي تثبت وقفية حصة الشركة (في الصورة الثانية) نكون قد أعلنا عن تأسيس كيان جديد مستقل عن الشركة وهو الوقف ولكل من الكيانين الشركة والوقف شخصيته الاعتبارية المستقلة.
  • لا يوجد –وفق اللوائح والأدلة الصادرة في المملكة حتى الآن– نص صريح يلزم بتعديل عقد تأسيس الشركة أو نظامها بعد وقف حصصها “أي في الصورة الثانية” لإثبات ملكية الوقف للحصص لدى وزارة التجارة، وفي هذا إشكال بسبب اختلاف تسجيل ملكية الحصة بين المثبَت في عقد التأسيس أو نظام الشركة لدى وزارة التجارة وبين واقع الحال المثبت لدى وزارة العدل في وثيقة الوقف، والواجب على الناظر في هذه الحال استكمال إجراءات إثبات ملكية الشركة لدى وزارة التجارة منعاً من التصرف في حصة الوقف بدون إذنه، وما ذكرته هنا هو مقتضى المادة (8) من نظام الشركات الجديد والمادة (12) و (15) من لائحة تنظيم أعمال النظارة.

 الشركة الوقفية كيان تجاري:

الشركات بأنواعها هي كيانات تؤسس لممارسة نشاط تجاري، ولها نموذج عمل تجاري (Bisnesmodel) يحقق لها الأرباح ويضمن لها الاستدامة، ولذا لا نتوقع تأسيس شركة وقفية (ولا حتى شركة غير ربحية) بهدف إيجاد مظلة قانونية لممارسة نشاط اجتماعي أو خيري لم يبن نموذجه التجاري على استدامة مالية واضحة.

وهذا المفهوم ينطبق أيضاً على الشركات الوقفية التي أسست بالأساس كشركات نفع عام أو استثمار اجتماعي، بحيث يجب أن يكون لديها نموذج عمل تجاري يحقق لها الاستدامة، ولا يصح بأي حال من الأحوال أن نؤسس شركة وقفية لممارسة نشاط اجتماعي أو دعوي أو تعليمي يعتمد بشكل كلي على الهبات والتبرعات لا على بيع الخدمات والمنتجات.

الشخصية الاعتبارية للشركة الوقفية:

الفرق الجوهري بين الشركة غير الربحية والشركة الوقفية أن الشركة غير الربحية (عامة أو خاصة) هي كيان تجاري ريعه موجه لمصارف غير ربحية، بخلاف الشركة الوقفية والتي هي كيان تجاري أرباحه تعود لمالكي الحصص سواء كان الوقف هو المالك الوحيد للشركة أو معه شركاء آخرون.

وبمجرد صدور الوثيقة التي تثبت وقفية حصة الشركة (في الصورة الثانية) نكون قد أعلنا عن تأسيس كيان جديد مستقل عن الشركة وهو الوقف ولكل من الكيانين (الشركة والوقف) شخصيته الاعتبارية المستقلة، وعليه فنموذج عمل الشركة الوقفية (في كل صوره) مكوّن من كيانين مستقلين عن بعضهما البعض: (وقف + شركة تجارية) والعلاقة بينهما علاقة ملكية، ولكل منهما ذمته المالية المستقلة وشخصيةٌ اعتبارية منفصلة تماماً عن الآخر.

وفي حالات مخصصة قد يحتاج الوقف إلى تأسيس شركة غير ربحية خاصة أو عامة لما تقدمه هذه الشركات من مميزات تساعد الوقف في تحقيق بعض مستهدفاته، ومن المسموح به أيضاً أن ينص في نظام الشركة غير الربحية على أن مآل أصولها إلى وقف مثبت.

هيكل حوكة الشركة الوقفية:

مع أن المسألة بمنتهى البساطة والوضوح إلا أن الممارسة الشائعة في حوكمة الشركات الوقفية تدمج الوقف في هيكل الشركة الوقفية.

التصميم التالي يعبر عن مثال لهيكل حوكمة شائع لشركة وقفية:

للوقف أربعة أغراض رئيسة ذكرناها في أكثر من موضع وهي: (حماية الأصل، والتشغيل والإدارة، والاستثمار، والمنح) والتصميم أعلاه يعني دمج الأغراض الثلاث الأخيرة في كيان الاستثمار (الشركة الوقفية)، ويترتب على ذلك عدة أمور نجملها في النقاط التالية:

  • التعامل مع الشركة كما لو كانت هي الوقف ذاته!: والحقيقة أن الشركة لا تعدو عن كونها ذراعاً استثمارياً للوقف، وحتى لو كانت الشركة مملوكة بالكامل للوقف فلا يوجد ما يمنع –في أي يوم من الأيام– دخول مستثمرين مع الوقف في الشركة ولو بحصص غير مسيطرة. إن فهم هذه الفكرة البسيطة يكفي للاقتناع بعدم مناسبة هذا الهيكل لحوكمة الشركة الوقفية.
  • هذا التصميم سيؤثر على هيكلة الشركة وأسماء وأدوار لجانها، فمن يعمل على هذا النموذج سيحتاج إلى ابتكار لجنة منح تحت مجلس إدارة شركة ربحية!، وبشكلٍ عام سيضطر عند تكوين اللجان وتصميم أدوارها إلى مراعاة تحقيقها أغراض الوقف الأربعة بينما كان من المفترض به التركيز فقط على غرض الاستثمار أو ممارسة النشاط التجاري.
  • يواجه هذا التصميم أيضاً معضلة تحديد دور مجلس النظارة؛ فهل يبقى المجلس في المستوى الأعلى أي في جمعية المساهمين، أم ينزل إلى المستوى الإشرافي “الهيئة الحاكمة” في مجلس الإدارة؟ ووفقا للممارسات التي اطلعنا عليها يعمد الكثير إلى تكرار مجلس النظارة في المستويين أو على الأقل تعيين النظار الفاعلين في مجلس إدارة الشركة، ولا خلاف في ضعف مستوى حوكمة هذا التصميم لافتقاده إلى مستوى رقابي مستقل فاعل.
  • بما أن فكرة الدمج بين الوقف والشركة هي السائدة في هذا النموذج فمن الطبيعي أن يتولى أمين الوقف إدارة الشركة الوقفية، وسنحتاج أن نضيف إلى مهام الرئيس التنفيذي للشركة مهاماً تتعلق بأغراض الوقف الأخرى إضافة إلى مهامه في إدارة نشاط الشركة التجاري ونموذج عملها.
  • هذا التصميم يعني باختصار سيطرة الذراع الاستثماري للوقف على الوقف، ولا يخفى خطورة هذا الأمر على الوقف عند تضخم أصول الوقف واتساع نشاطه التجاري. والعاملون في الأوقاف الكبيرة يدركون تماماً أهمية دور مجلس النظارة في الموازنة بين ذراعي الاستثمار والمنح في الوقف.

وفي نظري أن تكرار استخدام هذا التصميم يرجع إلى ثلاثة أسباب رئيسة:

  • عدم استيعاب فكرة الشخصية الاعتبارية المستقلة للوقف عن الشركة الوقفية.
  • النزعة المركزية لدى مجالس النظارة والتي تضغط دوماً نحو الإشراف الكامل والمباشر على كافة أنشطة الوقف.
  • اتخاذ أغلب الشركات الوقفية شكل الشركة ذات المسؤولية المحدودة حيث لا فصل واضح بين الملكية والإدارة، لذا نوصي – في عدد من الحالات – بتحويل الشركات الوقفية إلى شكل شركة المساهمة المبسطة أو شركة المساهمة، وذلك كي نعزز فكرة الاستقلال الإداري والمالي للشركة الوقفية، ولكل حالةٍ لَبوسها.

كل ما نحتاجه لحل هذه المعضلة هو أن نوسع دائرة النظر إلى الشركة الوقفية كشركة تجارية، لها مالكٌ اعتباري مستقل عنها، والعلاقة بين الكيانين علاقة ملكية وليست علاقة إدارة.

فهْمُنا لهذا الأمر سيتيح لنا التعامل مع حوكمة الشركة الوقفية وفقاً لنظام وزارة التجارة حسب شكل الشركة لدى الوزارة أو وفقاً لنظام حوكمة الشركات لدى هيئة سوق المال في حال كانت الشركة الوقفية مدرجة في السوق، والتعامل – بشكلٍ مستقل – مع حوكمة الوقف وفقا لمتطلبات وتنظيمات الهيئة العامة للأوقاف.

بشكلٍ عام لا يمكن تصميم هيكل حوكمة واحد لكل الشركات الوقفية نظراً لاختلاف صورة مشاركة الوقف في الشركة واختلاف نموذج عمل الوقف من جهة كون هذه الشركة هي ذراع الاستثمار للوقف أم أنها إحدى الشركات التي يملك الوقف فيها حصصا مسيطرة، واختلاف كون الشركة قابضة أم لا؛ لذا سأستعرض هيكل حوكمة شركة وقفية وفقاً للمدخلات التالية([1]):

الشركة مساهمة مبسطة (قابضة) حجم أصولها لا يقل عن مئتي مليون ريال تم وقف حصتها لتكون شركة شخص واحد هو الوقف وتعتبر هذه الشركة هي الذراع الاستثماري الوحيد للوقف:  

يلاحظ في تصميم هذا الهيكل مجموعة من الأمور:

  • لم أتطرق لهيكل الوقف وهو كيان مستقل وسأفترض أن الوقف وفقاً لوثيقته ولوائحه تتكون هيكلته من: (جمعية عامة، ومجلس نظارة، ينبثق عنه لجنة مراجعة، ولجنة ترشيحات ومكافآت، ولجنة منح، وللوقف أمين عام ومدير مالي) ولدى الوقف مؤسسة أهلية تتولى دور المنح الخيري.
  • جمعية المساهمين في الشركة تتمثل في مجلس النظارة لكون الشركة شركة الشخص الواحد. ولأن شكل الشركة “مساهمة مبسطة” فليس لجمعية المساهمين دور في إدارة الشركة، وبناء على ذلك تكون مسؤولية مجلس النظارة فيما يتعلق بالقرارات الاستثمارية مسؤولية محدودة بقدر ما تسمح به الصلاحيات الممنوحة لجمعية المساهمين في نظام الشركة، بينما تتركز مسؤوليته في حماية الأصول وتنميتها وإعداد سياسات الاستثمار ورقابته.
  • مجلس إدارة الشركة يتكون من خبراء متخصصين في الاستثمار والحوكمة، ولا حاجة لوجود تخصصات في العمل الخيري في مجلس إدارة الشركة لأن الشركة ذراع استثماري للوقف.
  • تحتاج الشركة إلى لجنة مراجعة، ولا مانع من التعاقد مع نفس الأعضاء أو أغلب الأعضاء في لجنة المراجعة في الوقف.
  • لجنة الاستثمار في الشركة قد تغني عن تأسيس لجنة استثمار للوقف، ويمكن تكليف خبير الاستثمار في مجلس النظارة كعضو في لجنة الاستثمار في الشركة.
  • يتميز هذا النموذج بمحدودية الحركة المالية في حسابات الوقف خاصةً عند تأسيس الوقف لمؤسسة أهلية (ذراع خيري)، حيث تقتصر الحركة المالية داخل الوقف على: إيرادات واردة من توزيعات الشركة “ربعية أو سنوية”، تحول إلى حساب المؤسسة الأهلية بعد تجنيب مصاريف التشغيل والإدارة للوقف.

المثال السابق نموذج مقترح لهيكل حوكمة شركة وقفية وفق مدخلات محددة، وأي تغيير في أطراف المعادلة يترتب عليه تغيير في نموذج العمل وفي متطلبات الحوكمة سواء على الوقف أو على الشركة الوقفية.

 

خلاصة الكلام:

احتوت المقالة على مجموعة من الأفكار سأحاول تلخيصها في نقاط مختصرة:

  • لا يوجد في التنظيمات شيء اسمه “شركة وقفية” وإنما لدينا شركات تجارية تملكها الأوقاف ملكية كاملة أو جزئية.
  • الشركة الوقفية هي شركة يمتلكها الوقف، سواء كان أصل الوقف هو حصص الشركة أو كان عينا عقارية أو غير ذلك.
  • للشركة الوقفية شخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة عن الوقف حتى لو كانت حصص الشركة هي عين الوقف.
  • الشركة الوقفية هي كيان تجاري تؤسس لممارسة نشاط تجاري، ولها نموذج عمل تجاري يحقق لها الأرباح ويضمن لها الاستدامة، ولا يمكن أن نتعامل معها كمظلة قانونية لممارسة نشاط اجتماعي أو خيري.
  • بعد وقف حصة الشركة الوقفية يجب إثبات ملكية الوقف للحصة الموقفة لدى وزارة التجارة.
  • الفرق الجوهري بين الشركة غير الربحية والشركة الوقفية أن الشركة غير الربحية كيان تجاري ريعه موجه لمصارف غير ربحية، بخلاف الشركة الوقفية فنموذج عملها مكون من كيانين مستقلين عن بعضهما البعض: (وقف + شركة تجارية) والعلاقة بينهما علاقة ملكية.
  • نموذج عمل الوقف المالك لشركة وقفية غالبا ما يرتكز على فكرة أن الأغراض الثلاثة (حفظ الأصول الوقفية، والتشغيل والإدارة، والمنح) يكون خارج إطار الشركة الوقفية التي تتخصص فقط في غرض الاستثمار.
  • شكل شركة (المساهمة) يمنح مجلس إدارة الشركة الوقفية صلاحيات في الإدارة، ويتحقق فيه الفصل بين الملكية والإدارة، أي بين دور مجلس النظارة “المساهم” ودور مجلس إدارة الشركة “المدير”، ويمكن تصميم نظام شركة (المساهمة المبسطة) لتحقيق نفس الهدف، ولذا فإن الشركات الوقفية التي يتحقق فيها الفصل بين الملكية والإدارة تتمتع بمستوى حوكمة أعلى.
  • ختاماً: لا يوجد شيء اسمه “حوكمة الشركات الوقفية” بشكل مطلق! لأن حوكمة الشركة الوقفية مرتبط بشكلها التجاري بالدرجة الأولى، وليس له علاقة وثيقة بمالك الحصص.

([1]) نؤكد على أن المثال الموضح في المقال هو مثال توضيحي ولايعتبر استشارة مقدمة لحوكمة الشركات الوقفية التي تتوافق مع الوصف المذكور لأن تقديم الاستشارات له بعد أعمق وتفاصيل دقيقة ومدخلات أكثر تختلف من حالة لأخرى.

خيارات النشر

لتحميل هذا المقال بصيغة PDF أو Word أو طباعتة وذلك بانقر فوق أيقونة أدوات النشر

آخر تحديث للصفحة:2023/12/13