نحو حوكمة أفضل للصناديق العائلية:
جميل أن يكون لعائلتك صندوق عائلي، وهو كيان قانوني اجتماعي يستقبل التبرعات والزكاة من أغنياء الأسرة ليصرفها على شكل أنشطة اجتماعية وثقافية للأسرة ومساعدات إنسانية لفقراءها؛ لكن ماذا لو كان القائمون على هذا الكيان غير أمناء أو أكْفاء وأنت كمستفيد من هذا الكيان أو مموِّل له لا تستطيع الاطلاع على أدائهم ولا محاسبتهم ولا استبدالهم ولا حتى تأسيس كيانٍ موازٍ لنفس الغرض ونفس العائلة؟!
تمهيد:
في عام 1437هـ أصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية قرارا باعتماد قواعد الصناديق العائلية وأصدرت نموذجَ لائحة لتأسيس الصندوق تسترشد به العائلة عند تقديم طلب تأسيس الصندوق.
ومع أن نموذج الوزارة حدد طريقة واحدة لتعيين مجلس الأمناء وهي تسميتهم من المؤسسين ثم الاستخلاف بناء على ترشيح داخل مجلس الأمناء؛ إلا أن قواعد الصناديق العائلية حددت ثلاثة طرق – على سبيل التمثيل – لتشكيل مجلس الأمناء:
- تعيينهم من شخص أو أكثر محددين بأسماءهم.
- تعيينهم من مجلس له وصف محدد (مثلا كبار العائلة) مع ضبط أسمائهم بلائحة.
- تعيينهم بالانتخاب من العائلة بشرط أن تضع اللائحة الأساسية ضوابط تنظم عمليات الترشيح والاقتراع.
في نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية بُنِيَت التشريعات المرتبطة بالصناديق العائلية على اعتبارها مؤسسات أهلية، لذا تقع مسؤولية إدارة الصندوق كاملة على عاتق مجلس الأمناء كما في القواعد واللائحة الأساسية.
هذه المقالة ستناقش دور مجلس العائلة في تعزيز الحوكمة في صندوق العائلة من خلال التأكيد على فصل الأدوار الثلاثة: التشريعي، والرقابي، والتنفيذي.
حوكمة صندوق العائلة:
إن من المتفق عليه – بعيداً عن مفاهيم وتشعبات الحوكمة – أنّ تفويض مجلس واحد في الكيان ليقوم بالأدوار الثلاثة (التشريعي والرقابي والتنفيذي) يعتبر مشكلة يتعذر معها تحقيق أبسط مبادئ الحوكمة، والمشكلة لا تقف عند الانحراف في صرف موارد الصندوق بل تتعداها أحيانا إلى الميل عن أهداف وغايات الصندوق.
إن تشكيل صندوق العائلة من مجلس واحد (تشريعي رقابي تنفيذي) هو مجلس الأمناء الذي يُعيَّن ابتداءً من مؤسسين ينتهي دورهم بعد تأسيس مجلس الأمناء، ويكون هذا المجلس هو المسؤول عن إدارة أموال وأصول الصندوق واستخلاف أعضائه؛ سيولد لدينا كيانات مجتمعية نجاحها وفشلها مرهون بأمانة وقوة أعضاء المجلس الذين لا يمكننا التحكم بمحاسبتهم أو استبدالهم، وتقِلّ المشكلة نسبيا في حال وجِد مجلس عائلة يتولى تعيين أعضاء مجلس الأمناء.
مجلس العائلة:
لا شك أن تضمين مواد لمجلس العائلة في لائحة الصندوق سيساعدنا على فصل الدور الرقابي عن الدور التنفيذي، والسؤال المهم ماذا سيكون دور مجلس العائلة؟
هل يتولى تعيين وترشيح أعضاء مجلس الأمناء ومراقبة أداء المجلس فقط أم يتعدى ذلك إلى البت في القرارات الاستراتيجية كالتصرف في الأصول واعتماد اللوائح التنظيمية؟
الملاحظ أن اللائحة التنفيذية لنظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية المعتمدة في عام 1437هـ تحصر جميع الأدوار والمسؤوليات في مجلس الأمناء بما في ذلك اتخاذ القرارات الاستراتيجية والمالية، لذا سيتوقف دور مجلس العائلة في لائحة الصندوق على ترشيح أعضاء مجلس الأمناء ومراقبة أدائه، وأعتقد أنه من الممكن تضمين لائحة الصندوق مواداً تمنع مجلسَ الأمناء من إجراء أي تعديلات في اللائحة تمس هذا الدور.
عضوية مجلس العائلة:
لدينا مجموعة من الخيارات لتعيين أعضاء مجلس العائلة ولكل خيار سلبياته وإيجابياته:
- يتكون مجلس العائلة من المؤسسين أو مَن يسمَّون في اللائحة، ويتم الاستخلاف بالترشيح داخل المجلس.
- يتكون مجلس العائلة بناء على توزيع عادل لذرية من تنسب له العائلة المسجل باسمه الصندوق.
- يتكون مجلس العائلة من المشتركين في الصندوق (الداعمين الدائمين) وفق حد معين.
الخيار الأول (ارتباط تعيين أعضاء مجلس العائلة بالمؤسسين) متناغم مع اعتبار صندوق العائلة مؤسسة أهلية لكنه لا يراعي الفرق بين المؤسسات الأهلية التي يرتبط بقاؤها بمؤسس ملتزم بالتمويل بخلاف الصناديق العائلية التي قد تعتمد في مواردها على ممول من العائلة سواء شارك في التأسيس أو لم يشارك، أو تعتمد على اشتراكات دورية من أفراد العائلة، وعليه فلا يمكن إعطاء أولوية للمؤسس الذي لم يبذل جهدا ومالاً في مرحلة التأسيس ولم يتحمل مسؤولية بعد ذلك كما هو الحال في مؤسس المؤسسة الأهلية التي تحمل اسمه غالباً ويلتزم أمام الوزارة بتوفير موارد مالية كافية لمؤسسته.
وهذا الخيار أيضا متوافق مع المثال الذي قدمته الوزارة (في قواعدها) مع ملاحظة أن المثال المذكور في القواعد يُفهَم منه إمكانية أن يكون استخلاف أعضاء مجلس الأمناء مستمرا عند المؤسسين (أو من تم تسميتهم في اللائحة) أو من تبقى منهم بطبيعة الحال، بخلاف نموذج الوزارة الذي يمنح لمجلس الأمناء صلاحية استخلاف أعضائه كما سبق وأسلفنا.
الخيار الثاني (ارتباط تعيين أعضاء مجلس العائلة بناءً على توزيع عادل لفروع العائلة) هذا الخيار يتناغم مع المثالين الآخرين الذين اقترحَتْهُما القواعد، ويشْكِل عليه الاختلاف في تحديد التمثيل العادل (هل هو بعدد الفروع أم بعدد أفراد الفروع) إضافةً إلى عدم وجود مستند رسمي موحَّد ينظم ذرية العائلة التي قد تشتمل على العديد من الأسر الصغيرة والكبيرة، مما يجعل من الصعوبة البت في اعتراضات مستوى التمثيل. ويشْكِل على هذا الخيار أيضاً أنه قد يوجد بعض فروع العائلة غير مهتمين ولا متفاعلين مع الصندوق، أو قد يختلف أفراد الفرع باختيار ممثلهم مع صعوبة حل هذه المشكلات إذا تعددت في أكثر من فرع.
الخيار الثالث (ارتباط تعيين أعضاء مجلس العائلة بالمشتركين) يشبه إلى حد كبير المعالجة التنظيمية في الجمعيات الخيرية، فاشتراكك في الصندوق وسدادك لرسوم الاشتراك يعني تلقائيا عضويتك في مجلس العائلة ويحق لك بناءً على ذلك حضورَ الاجتماعات السنوية أو الطارئة لمجلس العائلة وترشيحَ أعضاء مجلس الأمناء في كل دورة من دورات المجلس إضافة إلى الاطلاع على تقارير المجلس وأدائه المالي والإداري.
وثمة أمر ينبغي التنبه له وهو أن الجمعيات الخيرية تعتمد على التبرعات والأوقاف كموارد أساسية، ولا تشكِّل اشتراكات الأعضاء نسبة تذكر في مواردها المالية؛ لكن الوضع مختلف في الصناديق العائلية التي تعتمد بشكل أساس على التمويل العائلي، الذي يأخذ صورتين: اشتراكات أفراد العائلة، وتمويل الموسرين أو الواقفين في العائلة. وعليه فلا يمكن التعامل مع الأعضاء على مستوى واحد في الأصوات بل لابد من اعتبار قيمة الاشتراك والتمويل عند التصويت، وفي نفس الوقت يجب ألا نسمح لأغنياء العائلة بالتفرد باختيار أعضاء مجلس الأمناء، ويمكننا لحل هذه الإشكالية مثلا جعل العضوية على مراتب: فالعضوية العادية تشكل صوتا واحد، أما العضويات الأخرى فتشكل أكثر من صوت (مثلا: الفضية صوتان، الذهبية: خمسة أصوات، الماسية: عشرة أصوات..) ولكل عضوية قيمة محددة للاشتراك، أو يمكننا إتاحة الاشتراك بعدد من الأسهم واعتبار السهم بصوت مع وضع حد أعلى لعدد الأسهم المقدمة من الشخص الواحد.
مما سبق يتضح أن أيسر وأفضل الخيارات لتشكيل مجلس العائلة هو الخيار الثالث الذي يعتبر سداد الاشتراك كافٍ في عضوية مجلس العائلة، والجميل في هذا الخيار منح (المستفيد) و (المانح) حق اختيار (المنفِّذ).
في الختام:
إن وجود مجلس العائلة ضمن هيكلة ونظام الصندوق العائلي يضمن وجود جهة رقابية من داخل الأسرة تسهم في تحقيق الصندوق لأهدافه الخيرية والاجتماعية وتضمن اختيار القوي الأمين في مجلس الأمناء، وإذا نجحنا في تضمين اشتراط موافقة مجلس العائلة على أي تعديلات للائحة المجلس قبل رفعها للوزارة فإننا بهذا سنمنح مجلس العائلة دوراً تشريعياً يضمن بقاءه وممارسته لدوره الرقابي.