هذه المقالة هي الفصل الثالث من دليل إرشادي أعده استثمار المستقبل لتأسيس أوقاف راسخة. للاطلاع على محتويات الدليل كاملة وتنزيله PDF اضغط هنا

شرع الله عز وجل الوقف لحكم عظيمة؛ فبه يتحقق برُّ الأرحام والأحباب في الدنيا، وبه يحصل ثواب جارٍ يجده الواقف في الآخرة، وهو من النماذج الجميلة للتعاون على البر والتقوى، ولتتحقق ثمرة الوقف ينبغي العناية بتوجيه ريعه للجهة التي شرع من أجلها، ويمكن توضيح هذه المصارف بما يأتي:

مجالات البر:

من أهم المجالات التي ينبغي إنفاق غلة الوقف عليها: مجالات البر، والبر مصطلح يراد به المبالغة في الإحسان، وقد تعددت أبوابه وطرقه لدرجة يصعب حصرها، فكل ما يعين على الفرائض والواجبات والمستحبات بر، وكل ما يعين على دفع الفواحش والمحرمات والمكروهات بر، وكل إحسان لإنسان أو حيوان بر، وكل ما يصلح شؤون الناس الدنيوية والأخروية بر، وفيما يأتي إرشادات تعين الواقف على تحديد جهات البر لوقفه:

  • ينبغي للواقف اختيار المجالات الأكثر نفعاً والأعظم أجراً، والأقرب إلى مقاصد الشرع.
  • من الجيد استشارة أهل الحكمة والخبرة عند تحديد مجالات الصرف.
  • من المهم استحضار أن الوقف سيدوم – بتوفيق الله – لعصور متعاقبة، قد تختلف احتياجاتها وظروفها عن الظروف التي يعيشها ويدركها الواقف.
  • لا يجوز صرف غلة الوقف على محرَّم.
  • تحديد مجال عام للصرف أنفع من تحديد جهة بعينها؛ لأن الجهة قد تزول، مثال ذلك: الوقف على علاج المرضى أو تعريف غير المسلمين بالإسلام، أنفع من الوقف على المستشفى الفلاني أو مكتب الدعوة الفلاني، ومن الحكمة في حال اتجهت رغبة الواقف إلى تحديد اسم الجهة الموقوف عليها؛ أن تكون بصيغة التفضيل والأولوية، وأن يضاف في صك الوقفية ما يفيد امتداد الصرف على ما يشابهها في النشاط في حال تعطل الجهة أو تقصيرها.
  • يستحسن عدم حصر مصارف الوقف في مصارف محدودة وضيقة؛ كطباعة الكتب أو الأضاحي، وفي حال رغبة الواقف في حصر المصرف، فيُضمّن في صك الوقفية أن للناظر الحق في تغيير المصرف لما هو خير وأنفع في حال وجود ذلك.
الذرية:

من أوجه البر التي أفردت لمنزلتها في الشريعة، الصرف على الذرية والأقارب؛ لما فيه من صلة الرحم التي أكدت الشريعة على العناية بها، وينبغي لمن يرغب في أن تكون الذرية أحد مصارف وقفه العناية بما يأتي:

الحرص على ألا يتسبب الوقف بحدوث نزاعات بين الذرية.

الحرص على ألا يتسبب الوقف في ركون الذرية للكسل وترك العمل.

لا يصح الوقف على بعض الأبناء دون بعض؛ كالوقف على الذكور دون الإناث أو العكس، أو تخصيص بعض الأبناء دون بعض.

يصح الوقف بالصفة؛ كالمحتاج أو المريض أو طالب العلم من ذريتي.

تحديد الخيارات التي تتناسب مع نوع الوقف والذرية وحجمهما، مثل:

هل يصرف ريع الوقف على جميع ذرية الواقف؟ أم يصرف على طبقة معينة منهم؟

هل يشمل ذوي الأرحام أو الأقارب أم يقتصر على أولاد الأبناء؟

هل يصرف على المحتاج  فقط، أم يصرف أيضاً على الجميع بما فيهم الغني؟

هل يصرف لمن يتسم بسمة معينة كالمتفرغ لطلب العلم؟ أو المحتاج للزواج؟ أو من أصيب بجائحة؟

هل يصرف على العاجز عن العمل أم يشترك معه غيره؟

استحضار المستقبل وتحديد الاحتياطات اللازمة، مثل:

ما الذي يلزم في حال كثرت الذرية ولم تكف غلة الوقف لهم؟

ما الذي يلزم في حال قلّت الذرية وكانت حصة الفرد من الغلة أكثر من الحاجة المعتادة؟

ما الذي يلزم في حال تشعبت الذرية وتباعدت فروعها وتعذر الوصول لبعضهم؟

ما المصرف البديل في حال تعذر الإنفاق على الذرية؛ كعدم وجود محتاج منهم أو انقراضهم أو استغنائهم.

ومن الحلول التي قد يختارها الواقف:
  • أن يقصر الواقف الاستفادة من الوقف في جيل أو أجيال محددة، ثم يجعل الصرف الصرف بعد ذلك على مجالات البر وتكون الأولوية للمحتاج من الذرية.
  • أن يصرف للذرية حصة لا تزيد عن الحاجة المعتادة، وما زاد يصرف في وجوه البر.
  • أن يكون الوقف داعماً لصندوق تكافلي لذرية الواقف وأسرته، يساهم الوقف في تمويله بجانب مساهمة بقية أفراد الأسرة.
النفس:

يجوز للواقف أن يشترط الإنفاق على نفسه من غلة الوقف حال حياته؛ لكن يلزم أن يبين مآل الغلة حال وفاته، كما يجدر به ألا يستغرق كامل الغلة للنفقة على نفسه؛ بل يكون ذلك بنسبة معقولة حتى يتحقق المقصود الشرعي من الوقف.

صيانة الوقف وتشغيله:

أكبر ميزة للوقف هي بقاء الأصل؛ لذا يجب العناية بما يحقق هذه الميزة، ومن الأسباب المحققة لذلك صيانة الوقف وتشغيله؛ وهذا يحتاج لموارد مالية مناسبة، وتؤكد النقاط الآتية على إرشادات مهمة في هذا الباب:

  • من المصارف الرئيسة مصرف صيانة الوقف وإصلاحه وتجديده وترميمه؛ لأن في ذلك دوام الأصل، ودوام عطائه من دوامه وسلامته، ومن الجيد العناية بأنواع الصيانة التي قد يحتاجها الوقف، وهي:

الصيانة الوقائية: وتتم فيها إجراء إصلاحات من باب الاحتياط بغرض حماية الوقف من التعطل أو انخفاض الإنتاج في المستقبل.

الصيانة العلاجية المخططة: ويتم فيها إصلاح أو استبدال أجزاء جرى العرف أن عمرها الافتراضي قد انتهى.

الصيانة الطارئة: يتم فيها إصلاح أعطال غير متوقعة أدت لتعطل الوقف أو خفضت إنتاجيته.

  • الواجب إجراء عمليات الصيانة التي تحفظ الأصل الموقوف، ويتم ذلك بصرف نسبة سنوية من الريع للصيانة الوقائية، وتكوين احتياطي يجمع لتنفيذ الصيانة العلاجية المخططة وللتعامل مع الحالات الطارئة، ومن الحكمة تقديم هذا المصرف على بقية المصارف عند التزاحم، ولو استغرق الغلة كاملة، ولا مانع من الاستدانة على ذمة الوقف في حال احتاج لصيانة أو عمارة ضرورية وكانت الغلة لا تكفي، وقد يكون التأمين التكافلي أحد الحلول إذا أُحسن توظيفه.
  • تشغيل الوقف يحتاج لنفقات ينبغي على الواقف استحضارها وتحديدها، ولا مانع من تحديدها إما بتكلفة المثل، أو نسبة من الريع أو بمبلغ مقطوع.
  • يدخل في مصاريف التشغيل أجور العمال والمشتريات والرسوم الحكومية وأجور الخدمات ونحوها (يطلق المحاسبون على هذا المجال مسمى: المصاريف العمومية والإدارية)
النظار:

عمل الناظر محوري في الوقف، فهو المسؤول عن حفظ الأصول الموقوفة، وإدارة شؤونها، وتشغيلها، وصيانتها، واستثمارها، وتنميتها، وصرف غلتها إلى المستحقين. وتخصيصُ مقابل مناسب لمن يقوم بهذا العمل مهم جًدا، حتى وإن كان الناظر الحالي يفضّل الاحتساب؛ لأن ذلك قد يقود إلى التهاون والتقصير في أداء الواجب؛ إذ يصبح النظار بعد زمن غير مبالين بالوقف وشؤونه، أو يعزف الأكفاء عن النظارة لما فيها من كلفة ومشقة، وفيما يأتي إرشادات في هذا الباب:

  • التنصيص على حقوق النظار في الوثيقة بوضوح لا يقبل الشك والإيهام أمر في غاية الأهمية، ولا مانع من الإشارة عند ذكر حقوق النظار في الوثيقة أنه إن أراد أحد النظار الاحتساب بالتنازل عن مكافأته فله ذلك؛ على أن يوضح كيفية التصرف فيما تنازل عنه الناظر أو خصم من مكافأته؛ هل يرحّل كإيراد للوقف أو يوزع بين بقية النظار.
  • هناك من يقدم استحقاق مكافأة النظار لتكون نسبة من الريع قبل خصم مصاريف التشغيل والصيانة؛ حتى لا يتخوف الناظر من تأثير الصيانة على مكافأته فيقصّر في الصيانة، و في المقابل هناك من يجعل مكافأة الناظر نسبة من الريع بعد خصم مصاريف التشغيل والصيانة؛ ليضمن احتساب قيمة الصيانة بما يراعي حقه في عدم التجاوز في نسبة الصيانة؛ فيقل نصيبة في هذه السنة، وإلا أهملها فيقل نصيبه في المستقبل أو ينقطع.
يمكن تحديد حقوق النظار بطرائق مختلفة، منها:
      • مكافأة سنوية مقطوعة.
      • نسبة من غلة الوقف بعد حسم مصاريف التشغيل والصيانة.
      • مكافأة مقطوعة عن كل اجتماع.
      • الجمع بــين مكافأة مقطوعة عن كل اجتماع، مع نسبة سنوية من غلة الوقف.
      • الجمع بين أيٍّ مما سبق ونسبة مئوية من زيادة إيراد السنة الحالية عن السنة التي قبلها؛ لتكون حافزا للنظار لتنمية الوقف واستثماره.
  • يؤثر حجم الوقف ونوع أصوله في مقدار المكافأة المناسبة للناظر، كما تؤثر مسؤوليات الناظر ووجود من يساعده فيها.
  • أيضا مما يؤثر في المكافأة عدد النظار ما بين ناظر فرد أو مجلس نظارة.
  • عند تحديد مكافأة الناظر ينبغي ألا تخرج عن المعتاد في مثلها؛ فلا يبالغ في الزيادة أو التقليل؛ مما يفتح مجالاً للطعن فيها أمام القضاء مستقبلاً؛ خصوصاً إذا كان الناظر من الذرية فيكون في معنى الوقف؛ الجنف والاحتيال للصرف على بعض الذرية دون بعض.
الاستثمار:

يهدف الاستثمار في المقام الأول إلى استدامة الوقف وحمايته من التعثر والاندثار مع مرور الأيام، كما يهدف إلى تنمية الأصل؛ من خلال زيادة انتاجيته، أو إضافة أصول جديدة؛ وفي ما يلي إرشادات لتحقيق هذا الهدف:

  • من المفيد تحديد نسبة من ريع الوقف تخصص للاستثمار، ويمكن أن تكون هذه النسبة لها حد أعلى وأدنى بحيث تكون عالية في السنوات الأولى ثم تنخفض بعد ذلك.
  • من المهم التوازن بين ما يخصص للاستثمار وبين المصارف الأخرى التي شرع الوقف من أجلها؛ بحيث لا يطغى الاستثمار على المصارف الخيرية والذرية.
  • من الجيد النص على أن ما يقتطع من ريع الوقف للاستثمار وما ينتج عنه يعامل معاملة أصل الوقف.
  • مما يجدر التنبه له عند تحديد نسبة من الريع للاستثمار؛ مراعاة البند الحاص بمصرف الإهلاك السنوي باعتباره أحد بنود القوائم المالية في حال كان للوقف ميزانية معتمدة لصرف الريع منها؛ وذلك بأن يحدد في الوثيقة كيفية التعامل مع مصرف الإهلاك؛ هل يدخل ضمن نسبة الاستثمار باعتبار مقصده الحفاظ على الأصل أم يضم إليها وتزاد به نسبة الاستثمار؟
  • يجب الالتزام بمبادئ الشريعة وأحكامها في الاستثمار والتنمية للوقف؛ فيكون المقتطع للاستثمار أصلاً يزيد رأسمال الوقف، ويكون ما ينتج عنه ريعاً يصرف وفقاً لمصارف الوقف.
  • من الحكمة استثمار احتياطيات الوقف بصورة آمنة، ويضم الريع الناتج لهذه الاحتياطيات.
  • من الحكمة استثمار ريع الوقف فترة انتظار المستحقين في استثمارات آمنة وذات دورة قصيرة.
  • ينصح بأن تكون صلاحية الاستثمار على سبيل الجواز وليس الإلزام لمراعاة الأحوال الاقتصادية المتغيرة.
  • من الواجب الاسترشاد بعلم وخبرة متخصص أمين في الاستثمار قبل اتخاذ قرارات استثمارية.
  • من الأولى أن يتم الفصل قدر الإمكان بين مهام الاستثمار ومهام الصرف على مصارف الوقف؛ لضمان التوازن بينهما وعدم طغيان أحدهما على الآخر.