بسم الله الرحمن الرحيم

تعاضد وتشارك الأوقاف

أنواعها وتطبيقاتها وحوكمتها

تقرأ في هذه المقالة عن:

  • التعاضد باتحاد الأصل الوقفي (الأوقاف الموحدة) : أشكال اندماجها وشروطها وصور تطبيقاتها
  • التعاضد في النظارة: شكلها وضوابطها ومميزاتها وصور من تطبيقاتها
  • التعاضد في الإدارة: شكلها ومميزاتها وصور من تطبيقاتها
  • التعاضد في الاستثمار: شكله وفائدته وصور من تطبيقاته
  • التعاضد في المنح: شكله وفائدته وصور من تطبيقاته

 

تحتاج الأوقاف– خاصة: الصغيرة والمتوسطة – إلى جهات أخرى تعاضدها وتشاركها في بعض أو كل أغراضها (حفظ الأصل، النظارة، الإدارة ، الاستثمار ، المنح)، وقد يكون هذا التعاون أو الاتحاد بين وقف وآخر، أو بين واقف أو أكثر في صور وممارسات متعددة تناولها الباحثون وأطلقوا عليها عدداً من المصطلحات مثل:  الأوقاف المشتركة والجماعية والموحدة والمشاعة والمتعاضدة([1])، ولكل باحثٍ مصطلحٌ خاصٌ به وزاويةُ نظرٍ ينطلق منها، وأغلب الدراسات تناولت هذه المسائل من وجهة النظر الفقهية مما يغني هنا عن ذكر تأصيلاتها الشرعية وأحكامها الفقهية([2])، وسأحاول في هذه المقالة تقديم مجموعة من الأفكار والرؤى التي أتمنى أن تسهم في تنظيم وتصنيف صور وحالات التشارك والتعاون بين الأوقاف أو الواقفين أو الجهات المساندة الأخرى وانعكاس ذلك على حوكمة الأوقاف، راجياً من الباحثين والمختصين إثراء الموضوع تعليقاً أو تعقيباً أو تصحيحاً([3]).

نعني بالأوقاف الموحدة؛ “إلحاق الوقف بآخر مع ذوبان شخصيته الاعتبارية”([4]). ففي هذا النوع لدينا وقف واحد فقط له شخصيته الاعتبارية وذمته المالية المستقلة، ومجلسُ نظارتِه هو المسؤول عن الوقف والأصول الوقفية الملحقة به والتي تعتبر – بمجرد إلحاقها – أصولاً مملوكة للوقف الأساس.

ولاكتمال معنى الاندماج في هذا النوع من الأوقاف فالأصل ألا يَشترِط الواقفُ أي شرطٍ للإلحاق وليس له حق التراجع عن إلحاق الوقف أو اشتراط الانتفاع بالوقف أو تخصيص مصارف محددة، وهنا مسألة تحتاج بحثاً ومناقشة:

هل يحق للواقف الذي يلحق وقفه بوقف آخر أن يشترط فترةً محددة للإلحاق؟ أو يربط الإلحاق بتحقق شرط معين؟ وهل له أن يشترط الانتفاع بالوقف حال حياته؟ أو أن يشترط إضافة مصارف مخصصة كأن يشترط أضحية له كل سنة، أو أن يُصرَف جزء من الريع على ذريته؟

كل هذه المسائل تحتاج إلى دراسة وبحث، والأقرب أن وجود هذه الشروط يتنافى مع اندماج الشخصية الاعتبارية والذمة المالية للأصلين الوقفيين، كما أنه من المهم التفريق بين نوعين من الشروط:

النوع الأول: شرط يلزم منه عدم الاتحاد في الشخصية الاعتبارية على الدوام، مثل: اشتراط مصارف مختلفة، أو اشتراط مدة محددة للإلحاق، ونحو ذلك.

النوع الثاني: شرط لا يلزم منه عدم الاتحاد في الشخصية الاعتبارية على الدوام، كأن يشترط الواقف الانتفاع بالوقف حال حياته، وبعد موته يلحق بالوقف الفلاني، ففي هذه الحال يفترض أن تذوب الشخصية الاعتبارية بعد وفاته ويلحق تماماً بالوقف الأول، وكذا لو اشترط إلحاق الوقف الذري بالوقف الخيري بعد الجيل الأول مثلاً، ولا يعكر على هذا كون الوقف الأساس قد يلتزم بالتزامات الوقف الملحق (كالديون مثلاً) فهذا من باب الموانع.

قد يكون الإلحاق على شكل هبة للوقف الأساس، ومن هنا يمكننا تسمية هذه الأوقاف بالأوقاف الموحدة أي أن الواقفين وحّدوا أوقافهم مع الوقف الأساس، وقد يكون الإلحاق لوقفٍ تابع لايحمل الصفة الاعتبارية المستقلة، وبهذا المعنى أيضاً يمكننا أن نسمي هذه الأوقاف (الأوقاف الجماعية) كون هذا النوع من الأوقاف يناسب الأوقاف التي يشارك فيها عامة الناس بأصول وقفية متفاوتة وصغيرة نسبياً، كما أن تسميتها بـ (الأوقاف المشاعة) صحيح من جهة كون الأصل الوقفي الملحَق حصة مشاعة في الوقف الأساس.

ومن صور وتطبيقات الأوقاف الموحدة الأمثلة التالية:

  1. أن يوقف عدد من الواقفين أصولاً وقفية في وثيقة وقف واحدة، يشترط الواقفون فيها شروطاً وأحكاماً موحدة لكل هذه الأوقاف.
  2. إلحاق الأصول الوقفية بالوقف الأول على هيئة الهبة دون قيد أو شرط ([5])، ومن تطبيقاتها المعاصرة الهبات الوقفية غير المشروطة التي يمنحها الواقفون لأوقاف قائمة بقصد تعظيم أصولها، فهذه الهبات تعتبر أصولاً وقفية ملحقة (أي مسجّلة كأصول مملوكة للوقف الأساس) وإن لم يصدر لها وثائق وقفية مستقلة.
  3. أن يوقِف الواقفُ أصلاً بوثيقةِ وقفٍ مستقلة ويَشترِط إلحاقها بوقف مثبت دون قيد أو شرط ودون إثبات صفة اعتبارية للوقف الثاني (الملحَق)، فيقول الواقف مثلا: (أوقفت “ويسمي العين الموقفة” وقفاً منجزاً وألحقته بأحكام الوقف المثبت برقم وتاريخ بأحكامه ونظارته ومصارفه وشخصيته الاعتبارية)، فيدخل هذا الوقف بأحكام ومصارف الوقف الأساس، ومن تطبيقات هذه الصورة: الأعيان – من عقارات ومحافظ وغيرها – التي يوقفها الواقف ويلحقها بالوقف الجامعي الأساس أو وقف الجمعية أو وقف المؤسسة الأهلية دون قيد أو شرط.
  4. ومن الصور أيضا المتكررة أن يوقف الشخص وقفا خيريا ووقفا ذريا مستقلا عن الوقف الخيري، ويشترط ضم الوقف الذري إلى الخيري بعد انتهاء ذريته من البطن الأول أو البطن الثاني -حسب شرطه-، فيكون لكل من الوقفين شخصيته المستقلة ابتداءً، ثم بعد مدة يتحدان في شخصية واحدة. وحتى تاريخ كتابة هذه المقالة: لم يصدر تنظيمات واضحة تعالج هذه الحالة، ولم يقف الكاتب على دراسات ناقشت ما قد ينشأ عنها من مشكلات.
  5. الصناديق الاستثمارية الوقفية بالصيغة التي أصدرتها الهيئة العامة للأوقاف والتي نصت على منع تداول الوحدات أو استرجاعها كونها وحدات موقوفة، فعامة الواقفين في هذه الصناديق يلحقون أوقافهم (الوحدات الاستثمارية) بالصندوق الوقفي دون قيد أو شرط.
  6. الصناديق الوقفية السيادية التي تؤسسها الدولة بغرض النفع العام المخصص ومن أمثلتها (صندوق الوقف الصحي) في السعودية الذي صدر بقرار من مجلس الوزراء، حيث يستقبلُ الصندوقُ الأوقافَ الملحقة كمصدر من مصادر تعظيم أصوله الوقفية.
  7. وقريبٌ من الصورة السابقة: المنصاتُ الوقفية التي تؤسسها الهيئات الوقفية مثل منصة (وقفي) التي أسستها الهيئة العامة للأوقاف والتي تتيح للواقف أن يوقف مبلغاً نقدياً في المنصة ويختار نسب صرف ريعه ضمن مجالات محددة سابقاً، ومثلها منصة (وقف الكويت الخيري) التي أسستها الأمانة العامة للأوقاف في الكويت، ولها أمثلة مشابهة في كثير من الدول الإسلامية، وتختلف هذه الصورة عن سابقتها في منح الواقف حق تحديد مجال الصرف، دون أن يكون له حق التراجع أو تغيير الجهة الإشرافية، مع التنبيه على أن إتاحة اختيار الواقف لمجالات صرف محددة وبنسب مختارة لا يعتبر اشتراطاً للواقف يمنع اندماج وقفه بوقف المنصة كون اختياراته لا تخرج عن أوجه البر العامة التي تستهدفها المنصة الوقفية.
  8. من التطبيقات الحديثة لهذه الصورة: (صندوق إحسان الوقفي)، وهو صندوق استثماري وقفي مطروح طرحاً عاماً توقَف وحداته لصالح جمعية خيرية محددة بادرت بتخصيص مبلغ وقفي في الصندوق من خلال منصة إحسان، ثم يتاح لعامة الناس المساهمة في دعم وقف الجمعية (وحدات مخصصة للجمعية في الصندوق) ليعود ريعه عليها خاصة، وتتميز هذه الصورة عن سابقاتها أنها أقرب إلى التعاضد في الاستثمار ([6])، إلا أني وضعتها هنا على اعتبار أن ليس للجمعية الحق بنظارة الوقف ولا إدارته فهذه الأصول الوقفية (الوحدات الاستثمارية) التي شاركت فيها الجمعيات والواقفون لاتحمل الشخصية المستقلة، والوحدات الاستثمارية هي وحدات متساوية القيمة أي أن كل جمعية في نهاية المطاف مستفيدة من ريع هذا الوقف حسب عدد وحداتها، فكأن صورة هذا الصندوق هي صورة أوقاف موحدة ناظرها واحد ومصارفها متعددة وفق شروط محددة وضعت عند تأسيس الصندوق الاستثماري الوقفي.

لم تصدر – حتى تاريخ إعداد هذه المقالة – تنظيمات واضحة من الهيئة العامة للأوقاف للتعامل مع الوقف المثبت بوثيقة مستقلة تنص على إلحاقه بوقف آخر إلحاقاً كاملاً كما في الأمثلة الماضية، إلا أنه يمكننا القول: بأن وجود وثيقة وقفية مستقلة للوقف الملحَق بالصيغة التي لايلزم منها استقلال الشخصية الاعتبارية لاتكفي لاعتبار الوقف وقفاً مستقلاً بشخصيته الاعتبارية وذمته المالية،  لذا فالأصل أنه لايُستخرج لهذا الوقف شهادة من الهيئة العامة للأوقاف مثلا، ولايفتح له حساب بنكي، لكون هذه الوثيقة لاتؤهل الوقف الملحَق للإلزام والالتزام لانعدام شخصيتها الاعتبارية، وكذلك يفترض أن تكون التنظيمات واضحة في التعامل مع الأصول الوقفية الملحقة لدى كافة الجهات على اعتبار أنها أصول مملوكة للوقف الأساس لا أكثر.

ولا شك أن حوكمة هذا النوع من الأوقاف مرتبطة بالوقف الأول (الأساس) فقط، والذي يجب أن تصاغ وثيقته الوقفية ولوائح حوكمته بأعلى معايير الحوكمة كون هذا الوقف يعتمد أساساً على ثقة عامة الواقفين الذين لابد من طمأنتهم على أن أوقافهم آمنة ومحمية وأصولهم التي أوقفوها ستنمو وتتعظم، وقد يُمنَح الواقفُ (المُلحِقُ لوقفه) مميزات محددة في وثيقة (الوقف الأساس) كأن يتاح له المشاركة في ترشيح ممثلٍ له في الجمعية العامة للوقف الأساس، والهدف من ذلك طمأنة الواقفين على مآل أوقافهم وتحفيزهم للمشاركة في تعظيم أصول الوقف الأساس، وهو ما ينبغي أن تعتني به أوقاف الجامعات وأوقاف الجمعيات الأهلية والأوقاف العائلية.

ونؤكد في ختام هذه الصورة أن صور الاتحاد التي ذكرناها ممكنة عند تأسيس الوقف، أما إلحاق الأوقاف القائمة من خلال تعديل شروط الواقفين فيرجع لرأي القاضي والحكم الفقهي.

 

التعاضد في النظارة يعني: إلحاق وقف بوقف آخر من جهة أحكام النظارة مع المحافظة على الشخصية الاعتبارية والذمة المالية للوقف الملحَق.

تختلف هذه الصورة عن سابقتها باستقلال الشخصية الاعتبارية للوقف التابع عن الوقف الملحق، حيث يوقف الواقف وقفه ويشترط أن أحكام نظارة الوقف وفقاً لأحكام نظارة وقف آخر، ففي هذه الحالة يحافظ الوقف على شخصيته الاعتبارية وذمته المالية المستقلة ومصارفه المحددة، ويقتصر التعاضد على توحيد أحكام النظارة، وينص الواقف على مصارف الوقف، ومن الممكن أن يسمِّيه وأن يشترط له شخصية اعتبارية مستقلة، وصيغة الوقف على سبيل المثال: ” وقد اشترطت في نظارة وإدارة الوقف أن تكون وفقا لأحكام وقف كذا المثبت برقم.. وتاريخ.. “، وضابط هذه الصورة أن يربط الواقف النظارة بأحكام نظارة وثيقة الوقف الأساس، أما لو وضع في وثيقة وقفه أحكاما خاصة للنظارة فإن الوقف بهذه الصورة مستقل تماماً عن الوقف الأساس حتى لو اشترط أن يتولى مجلس نظارة الوقف الأساس في نظارة وقفه أو بعضهم، ففرق بين (الإلحاق في أحكام النظارة) وبين (إسناد النظارة إلى شخصية اعتبارية)، فالأول إلحاق وربط لكامل أحكام النظارة أما الآخر ففيه تسميةٌ للنظار وذكرٌ لصلاحياتهم.

ربما كان الهدف الأساس الذي أوجد هذه الصورة في الواقع هو تسهيل إجراءات أعمال النظارة وتقليص كلفتها خاصة لدى الجامعات والجمعيات الأهلية التي يصلها من المحسنين عشرات الأوقاف المخصصة على مصارف محددة وهي في التعامل معها بين خيارين؛ إما أن تتعامل مع كل وقف بشكل مستقل تماماً وإما أن تربط هذه الأوقاف بأحكام نظارة موحدة ليسهل عليها التعامل معها نسبياً.

ومن صور وتطبيقات الأوقاف المتعاضدة في أحكام النظارة الأمثلة التالية:

  1. الأوقاف العائلية: الأوقاف التي يوقفها أفراد الأسرة ويلحقون نظارتها بوقف العائلة الكبير، ويشترطون للوقف مجالات صرف محددة.
  2. الأوقاف الجامعية: الأوقاف التي توقف على أوقاف الجامعات بوثائق وقفية مستقلة وتربط نظارتها بأحكام نظارة الوقف الجامعي الأساس، مع المحافظة على شخصيتها الاعتبارية واشتراط مصارف محددة موجهة للجامعة وأنشطتها وربما أضاف الواقف مصارف خيرية خارج نشاط الجامعة كأضحية للواقف أو مصارف على نفسه أو ذريته.
  3. أوقاف المؤسسات والجمعيات الأهلية: الأوقاف التي تلحق أحكام نظارتها بأوقاف الجمعيات الخيرية بنفس الطريقة المشار إليها في الحديث عن أوقاف الجامعات، وكما أوضحنا سابقاً ضابط هذه الصورة هو في توحيد أحكام النظارة، لا في إسناد النظارة إلى الجمعية أو وقفها.
  4. أوقاف المناطق والبلدان: الأوقاف التي يوقفها أعيان المدينة أو البلدة على مصارف مرتبطة ببلدتهم ويلحقون نظارتها بوقف المدينة الأساس بنفس الطريقة.

يلاحظ هنا أن الأوقاف لم توحَّد بوقف واحد فعلياً وإنما اتحدت اتحاداً لايسلبها هويتها وشخصيتها الاعتبارية، ولايخفى فائدة وأثر هذا التوحيد من خلال الاكتفاء بضبط هيكل حوكمة الوثيقة الأولى، وتقليص تكاليف الوكالة؛ فالاجتماعات والرقابة واللجان موحدة، إضافة إلى توفير الجهد والتكاليف في المرافعات والتقاضي، ولفهم هذا الأثر افترض أن لدى إحدى الجمعيات الخيرية ما يزيد عن مئة وقف مستقل لها نفس الصيغة الوقفية وسمى الواقفون فيها نفس الأشخاص في مجلس النظارة؛ فهذه في الحقيقة مئةُ وقفٍ مستقل، وتكرُّرُ أسماءِ نفس الأشخاص لايقتضي اتفاق مجالسها ولجانها ومحاضرها وأدوات عملها، فعند حاجتها إلى استبدال ناظر مثلا فإنها ستحتاج إلى رفع دعاوى بعدد أوقافها، أما إذا كانت هذه الأوقاف مرتبطة من جهة الإشراف والإدارة بأحكامٍ واحدة ومجلس نظارة موحد فالأصل أنها لن تحتاج إلا إلى رفع دعوى واحدة للوقف الأساس، ومجلس النظارة غير ملزم إلا بمتطلبات الحوكمة الموضحة في الوقف الأساس.

وفي هذا النوع (التعاضد في النظارة) ثمة مسائل يتوجب الوقوف عندها:

  • قبول النظارة: يشترط لصحة الإلحاق موافقة مجلس نظارة الوقف الأساس على الإلحاق والتزامهم تنفيذ شروط الواقف المحددة في وثيقة الوقف الملحق.
  • تقييد الإلحاق: يمكن للواقف أن يشترط الإلحاق مدة محددة وبعدها يستقل الوقف بشروط خاصة به، ويمكن أن يشترط لنفسه أو لمجلسٍ محددٍ مراقبةَ تحقيق الوقف الأساس لشرطه، وحقه في سحب الوقف واستقلاله عن الوقف الأساس.
  • تقييد مصرف الوقف الملحق: قد يكون الوقف التابع متوافقا مع الوقف الأساس في شرط المصرف وقد يخصص له الواقف مصارف محددة، كأن يلحق الواقف وقفه بوقف جامعي ويشترط أن يكون مصرفه على المستشفى الجامعي خاصة، أو أن يلحق الواقف وقفه بوقف عائلي ويشترط أن يكون نصف الريع في أضحية له وفي ذريته والنصف الآخر في مصارف الوقف العائلي وفق ما يراه مجلس نظارته، ومثل ذلك الوقف على دار تحفيظ قرآن محددة وإلحاق النظارة بالوقف الأساس للجمعية الخيرية التي تشرف على الدار.
  • تحريز الوقف الملحَق: يجب على مجلس النظارة العناية بالأصل الملحق ككيان مستقل عن الوقف الأساس من جهة صيانته والعناية بتعظيم أصله وتحسين ريعه (فيما إذا كان أصلا مستقلا كالعقار)، وفي استقلاله المالي فيما إذا كان أصل الوقف حصة مشاعة مع الوقف الأساس (مثلا: حصة في نفس الشركة).
  • ينبغي التعامل مع الوقف الملحَق مالياً بشكل مستقل وفقاً لتصنيفه عند الجهة الإشرافية وبغض النظر عن تصنيف الوقف الأساس، فوجود أوقاف صغيرة ملحقة بأحكام وقف جمعية صغير يعني أننا سنتعامل مع هذه الأوقاف كلها كأوقاف صغيرة ولو كانت أصولها مجتمعة كبيرة جداً.
  • طريقة إفصاح الوقف الأساس عن أصول وإيرادات الوقف الملحق محل نظر وتأمل ومرجعها الهيئات المحاسبية ومعايير المحاسبة للجهات غير الهادفة للربح، ويتوجَّه القول بإمكانية إدراج القوائم المالية للوقف الملحَق محاسبياً بقوائم الوقف الأساس لجامعة أو جمعية خاصةً إذا كانت المصارف على أنشطةٍ تابعة للجمعية أو الجامعة وذلك على اعتبار قاعدة المحاسبين (الجوهر فوق الشكل) أي أن الاعتراف بالأصول مبني على جوهر السيطرة عليها وليس على الشكل القانوني، وفي حال كان الإلحاق مشروطاً بقيدٍ اعتبر أصلاً وقفياً مقيداً ينفك بانفكاكه، وتعتبر هذه المسألة من المواضيع التي يجب حسمها لدى الجهات الإشرافية.
  • هوية الوقف الملحق: لم يضع المنظِّم – حتى كتابة هذا المقال – تنظيماً يضبط العلاقة بين الأوقاف في هذا النوع، والمقترح هو أن تُسمَّى شهادة الوقف الملحَق (شهادة وقف تابع) ويُربَط مجلس نظارته بمجلس نظارة الوقف الأساس تقنيا، مع منح الوقف الملحق شخصية مستقلة وهوية قانونية مستقلة تمكنه من فتح حسابات بنكية وتنفيذ جميع الممارسات والحقوق الممنوحة للشخصيات الاعتبارية، مثله إلى حدٍّ كبير مثل المؤسسات التجارية المتفرعة عن السجل التجاري الرئيس، ويقترح أن تراعي وزارة العدل تيسير إصدار الوكالات للأوقاف الملحقة من هذا النوع بحيث يُكتفى بوكالة واحد من ناظر الوقف الأساس تشمل كل الأوقاف الملحقة به في أحكام نظارته.
  • توحيد الاجتماعات وأدوات الإشراف: لم يرد من الجهات الإشرافية تنظيم واضح لهذه الصورة، والمتوجه أنه لايلزم تكرار الاجتماعات بعدد الأوقاف الملحقة وإنما يكفي عقد الاجتماعات وفقاً لأحكام الوقف الأساس، وتكون اللجان الإشرافية وأدوات الرقابة موحدة لها كلها كونها مرتبطة بأحكام مجلس نظارة واحد، وكلما كثرت الأوقاف الملحقة وعظمت أصولها كلما زادت الحاجة إلى ضبط حوكمة الوقف الأساس وتجلَّت أهمية مبادئ العدالة والإفصاح والشفافية.
  • نصت المادة الخامسة من لائحة تنظيم أعمال النظارة على إمكانية تولي الشخصية الاعتبارية للنظارة، إلا أنه لم يصدر من الهيئة العامة للأوقاف ولا وزارة العدل – حتى كتابة هذه المقالة – أي تنظيمات إجرائية لأحكام وإجراءات النظارة الاعتبارية، وهذه الصورة (التعاضد في النظارة) تختلف اختلافا جوهريا عن إسناد النظارة إلى شخصية اعتبارية، قد تكون هذه الشخصية الاعتبارية وقفاً آخر أو جمعية أهلية أو شركة ربحية أو شركة غير ربحية، فلو افترضنا مثلاً أن جمعية أهلية لديها مئةُ وقفٍ نصت وثائقها على أن مجلس الجمعية هو الناظر عليها فهذا يعني أن كل وقف مستقل عن الآخر بأحكامه وحوكمته، فتكرار الناظر لا يعني اتحاد أحكام النظارة.
  • قد يكون التعاضد في هيكل حوكمة الوقف من جهة الرقابة العليا (أي مستوى الجمعية العامة) كأن يوقف أحد الواقفين وقفاً كبيراً، ثم يوقف أوقافاً أخرى مستقلة (مثل: دور تحفيظ القرآن الكريم) ويعين لكلٍّ منها ناظراً، ويشترط أن لمجلس نظارة الوقف الكبير حق مراقبة نظار الأوقاف الأخرى ومساءلتهم وتعيينهم وعزلهم، ففي هذه الصورة يتمتع نظار هذه الأوقاف بالاستقلالية الكاملة في إدارة أوقافهم فهم (الهيئة الحاكمة) في أوقافهم، ويقتصر دور مجلس نظارة الوقف الكبير على المساءلة والتعيين والعزل عند الحاجة فأشبه دوره دور (الجمعية العامة) لهذه الأوقاف.

تحتاج الأوقاف كأي مؤسسة إلى توثيق أعمالها وأرشفة ملفاتها، وتنظيم إجراءاتها الإدارية، ومسك حساباتها، وضبط اتصالها المؤسسي، وفي الأوقاف الصغيرة والمتوسطة تكون كلفة التشغيل عالية مقارنة بإيرادات الوقف، لذا قد يكون من الأوفر للوقف إسناد هذه (الخدمات المشتركة) إلى جهة اعتبارية متخصصة، بدلا من التوظيف.

في هذه الصورة يحافظ الوقف على شخصيته الاعتبارية المستقلة، وأحكام نظارة مستقلة، ووعاء استثماري مستقل، ويتعاقد مع جهة أخرى تسانده في إدارة وتشغيل الوقف، وقد فرقت (لائحة أعمال النظارة) بين النظارة والإدارة وأذنت بإسناد الإدارة إلى شخصية طبيعية أو اعتبارية، وأكدت على أن إسناد أعمال الإدارة إلى طرف ثالث لايخلي الناظر من التبعات والمسؤولية.

ومن صور وتطبيقات التعاضد في الإدارة:

  1. مجموعة من الأوقاف الصغيرة (العائلية مثلاً) والتي لكل منها ناظر، تتعاضد في كيان موحَّد للتشغيل والإدارة من خلال التعاقد مع هذا الكيان لإدارتها، وربما كان هذا الكيان: وقف العائلة الكبير، الذي يحمل على عاتقه غالباً عبء نشر ثقافة الوقف داخل الأسرة من خلال تشجيع ودعم الأوقاف الصغيرة.
  2. واقف لديه مجموعة من الأوقاف الصغيرة والمتوسطة (مثلاً: عقارات موقفة) لكل منها ناظر أو مجلس نظارة مستقل، ويرغب أن تدار بشكل جماعي؛ فتشترك هذه الأوقاف في تأسيس شركة وتتعاقد مع الأوقاف لإدارة وتشغيل الأوقاف والأملاك التابعة لها([7]).
  3. تعاقد وقف صغير أو متوسط مع جهة مستقلة تقدم خدمات التشغيل والإدارة للأوقاف الصغيرة والمتوسطة وذلك بهدف تقليص تكاليف التشغيل وإسناده إلى أهل الخبرة ([8]).

أثر التعاضد في الإدارة يظهر جلياً في الأوقاف الصغيرة ومتناهية الصغر والتي يعين لها ناظر محتسب غالباً وقد لا تستطيع دفع التكاليف المالية الكافية لضبط عمليات التشغيل والإدارة مثل التوثيق والأرشفة والضبط المحاسبي وتحقيق متطلبات الجهات الإشرافية والرقابية، فيتم نقل هذا الدور على جهة متخصصة تستطيع تقديم نفس الخدمة لعدد كبير من الأوقاف المماثلة بجودة مناسبة وكلفة معقولة.

التعاضد في الاستثمار يعني: اجتماع الأوقاف في وعاء استثماري موحد مع استقلال شخصيتها الاعتبارية، وذمتها المالية المنفصلة، ومن صور وتطبيقات هذا النوع:

  1. الشركات الاستثمارية: اشتراك مجموعة من الأوقاف في شركة واحدة تمثل ذراعها الاستثماري الرئيس، بحيث يكون لكل وقف حصة من الشركة بقدر مساهمته فيها، وغالباً ما تأخذ الشركة شكل شركة المساهمة لتحقيق مستوى جيد من الحوكمة والرقابة والشفافية، ويطبَّق هذا النموذج كثيراً في الأوقاف العائلية، إلا أن تطبيقه ممكن على نطاق أوسع للأوقاف التي تتفق على سياسات استثمار وإدارة موحدة ،وتعتبر تجربة شركة مكة للإنشاء والتعمير تجربة رائدة في هذا الباب، حيث استبدلت عقارات هذه الأوقاف بأسهم غير قابلة للتداول، وانعكس هذا التعاضد على قيمة السهم وريعه بشكل كبير لم يكن ليتحقق – بعد توفيق الله – بدون هذا التعاضد([9]).
  2. الصناديق الاستثمارية المخصصة للقطاع: تستثمر مجموعة من الأوقاف في وعاء استثماري واحد مخصص للأوقاف (وحدات في صندوق استثماري مخصص للأوقاف) مثل صناديق استثمار المستقبل التي دشنتها شركة استثمار المستقبل مع شركة جدوى برعاية سعادة محافظ الهيئة العامة للأوقاف وهي صناديق استثمارية مخصصة للأوقاف والقطاع غير الربحي فقط.
  3. صناديق التطوير العقاري المخصصة للأوقاف: حيث تشترك مجموعة من الأوقاف العقارية التي تعطلت منفعتها في صندوق تطوير عقاري، وبعد إذن جهة الاختصاص تحول الأصول الوقفية من أصول عقارية إلى وحدات في الصندوق طيلة فترة عمل الصندوق.
  4. من التطبيقات المعاصرة لهذا النوع تجربة صندوق تثمير ممتلكات الأوقاف (APIF) التابع للبنك الإسلامي للتنمية، حيث يشارك هذا الصندوق الوقفي بتمويل بناء وتعمير الوقف ويقسم الريع على سداد أقساط الصندوق ودعم الجهة المستفيدة([10]).
  5. تعاقد الوقف مع مدير مؤسسة مالية مرخصة لإدارة محفظة استثمارية للوقف يعتبر أيضاً من ضمن هذا النوع، كون الناظر كلّف مدير المحفظة بإدارتها بعد أخذ الإذن من الجهة الإشرافية، إلا أنه يبقى لدى الوقف تحدٍّ في هذا المثال يكمن في قدرة الناظر على اختيار أفضل مؤسسة مالية واختيار هيكل المحفظة المناسب ثم تقييم أداء مدير المحفظة بعد ذلك.

الفائدة من التعاضد في وعاء موحد للاستثمار ضبط وتحسين حوكة الاستثمار، وهذا تحتاجه الأوقاف الصغير والمتوسطة بالدرجة الأولى والتي قد لاتمتلك الكفاءات المناسبة والخبرة الكافية لإدارة الاستثمار، وهي بهذا التعاضد تخفض تكاليف الاستثمار وتضمن تحقيق أفضل عوائد ممكنة وبمخاطر منخفضة، وفي كثير من الحالات ينقل الناظر مسؤولية ومخاطر قرارات الاستثمار إلى طرف آخر مؤهل.

من مصلحة الأوقاف الصغيرة إسناد إدارة المنح إلى جهة متخصصة لضمان تحقيق شرط الواقف وللوصول إلى منح مقاصدي أعظم أجراً للواقف وأكثر نفعاً للمستفيد وأرسخ أثراً على المجتمع وبتكاليف مناسبة لحجم الريع السنوي للوقف.

ومن صور وتطبيقات التعاضد في إدارة المنح:

  1. المؤسسة الأهلية المشتركة: كأن تشترك مجموعة من الأوقاف الصغيرة أو العائلية بتأسيس مؤسسة أهلية تتولى إدارة المنح وفقاً لشروط الواقفين.
  2. تعاقد الأوقاف الصغيرة والمتوسطة مع جهة مستقلة متخصصة تقدم خدمات للمانحين([11]).
  3. تعاقد الأوقاف العائلية الصغيرة مع وقف العائلة الكبير لإدارة المنح.

وتختلف الصورة الأولى (المؤسسة الأهلية) عن الصورتين الأخريين في حركة المال والمسؤولية، ففي الصورة الأولى تحول الأموال إلى المؤسسة الأهلية وتكون هي المسؤولة أمام الأوقاف وأمام الجهات الإشرافية عن مآل الصرف، بينما في التعاقد مع طرف آخر لإدارة المنح يتم صرف المال مباشرة من حساب الوقف وتحت مسؤوليته.

وبشكل عام يمكننا القول إن تعاقد الأوقاف الصغيرة والمتوسطة مع جهات متخصصة لتقديم خدمات التشغيل والإدارة (الخدمات المشتركة) وفي إدارة الاستثمار، وإدارة المنح يضمن لها تقليل مخاطر الوقوع في أخطاء تنظيمية ويرفع لها الأداء بأفضل ممارسات الحوكمة وبأقل كلفة ممكنة. ويلاحظ في أنواع التعاضد الثلاث (الإدارة، الاستثمار، المنح) أن الأوقاف لها شخصيتها الاعتبارية المستقلة، فالاتحاد في وعاء الاستثمار أو كيان المنح أو كيان التشغيل لايؤثر على استقلالية هذه الأوقاف فلكل وقفٍ أحكامُه وحوكمته، ولذا فإن تأثير التعاضد على متطلبات الحوكمة محدود نسبياً حسب مجال التعاضد، بمعنى أن هذه الأوقاف تسند مهام التشغيل أو الاستثمار أو المنح إلى جهات أخرى متخصصة، لها قدرة على ضبط جودة المهام الموكلة إليها وتحسين مستوى حوكمتها.

([1]) مصطلح (تعاضد الأوقاف) لم يتطرق له الفقهاء من قبل، وأول من تناوله بالبحث على حد علمنا هو دراسة العنزي والعمري (تعاضد الأوقاف في الفقه الإسلامي) وقد عرفت الدراسة تعاضد الأوقاف بأنه “صرف مال وقف إلى وقف آخر أو ضمه إليه أو مداينته له للمصلحة”، ونعتقد أن مصطلح (تعاضد الأوقاف) وفقا لمعناه اللغوي: التعاون والتقوي والمناصرة، ومنه قوله سبحانه: (وما كنت متخذ المضلين عضداً) يشمل كل مستويات التعاضد بدءاً من اتحاد الأصل الوقفي (الأوقاف الموحدة) مروراً بالتعاضد في أحكام النظارة وانتهاءً بالتعاون والتكاتف في تحقيق غرض من أغراض الوقف الأخرى (الإدارة، والاستثمار، والمنح).

([2]) ينظر مثلا: الأوقاف الموحدة دراسة فقهية تطبيقية – محمد الغانم وهو من أشمل الكتابات في الموضوع وأصله رسالة ماجستير للباحث، والوقف الجماعي: د. إقبال المطوع.

(([3] تمثل الرؤى المطروحة وجهة نظر الكاتب على ضوء عدد من اللقاءات ومجموعات التركيز والاستشارات الكتابية مع المستشارين والمتخصصين في شركة استثمار المستقبل وشركة سنا المستقبل وعدد من الخبراء في مجالات متنوعة، ونسعد بإثراء الباحثين للأفكار المقدمة وتطويرها.

([4]) مدار الاتحاد هو اندماج وذوبان الشخصية الاعتبارية للوقف الثاني (الملحق) في شخصية الوقف الأول (الوقف الأساس).

([5]) يُنظَر إلى نية الواهب في تكييف تلك الهبة، فإن أراد تمليكها للوقف؛ فالناظر يتصرف في مآل الهبة، وإن قصد بالهبة تنمية الأصل؛ فالهبة حينها تعتبر أصلا موقوفا، وتدخل في سياق حديثنا هنا.

([6]) التعاضد في الاستثمار يعني: اجتماع الأوقاف في وعاء استثماري موحد مع استقلال شخصيتها الاعتبارية، وسيأتي الحديث عنه.

([7]) تختلف هذه الصورة عن (التعاضد في الاستثمار) كون هذه الأوقاف لم تتحد في الوعاء الاستثماري، وإنما اتحدت في كيان التشغيل والإدارة لاستثمارات مستقلة.

([8]) مراعاة لعدم تفرغ نظار الأوقاف الصغيرة وعدم اكتمال خبرة بعضهم أطلقت شركة (سنا المستقبل) باقات للتشغيل والإدارة للأوقاف الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات الأهلية والصناديق العائلية الناشئة لتشغيل هذه الأوقاف والمؤسسات بكفاءة عالية وكلفة منخفضة مقارنة بتكاليف التشغيل الذاتي للوقف.

([9]) (ينظر: إدارة الأوقاف على أسس اقتصادية مع الإشارة إلى دمج الأوقاف، أ.د. محمد الجرف)

([10]) ينظر (https://www.isdb.org/apif/ar/about-apif)

([11]) مراكز المانحين التابعة لمؤسسة سليمان الراجحي الخيرية تقدم خدمات للمانحين، كذلك تقوم شركة (سنا المستقبل) بتقديم باقة متخصصة للمنح مخصصة للأوقاف الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات الأهلية الناشئة.